والحلم إذا تحقق
نتابع كل يوم خطوات غير مسبوقة بالدخول في حل التحدي الكبير والعظيم في مجال بناء الإنسان المصري, وتطوير البيئة المعيشية للمصريين القاطنبن في الأماكن العشوائية أو الغير رسمية, حيث أنها بيئات تفرز إنسانًا مصطدمًا بواقع أليم, لم يصنعه بنفسه, بل وُلِد فيه ووجد نفسه بين هذا الكم من الواقع الأليم, مما يشكل عقله ووعيه ومفاهيمه تجاه الوطن ومن حوله فيه.
واليوم, تابعنا افتتاحات لمشاريع جديدة من بدائل المناطق العشوائية, في إسكان الدولة لهؤلاء المصريين الذين وجدوا أنفسهم في تلك العشوائيات نتيجة لعدم مسئولية الكثير من الآباء تجاه الأبناء, فنجد مشروعًا في السيدة زينب بالقاهرة, وآخر بدمياط, وهناك في شرم الشيخ وغيره في مدينة العبور وغير ذلك كثير, مما يجعلنا نتنفس الصعداء بأن هناك حُلمًا كنا نتمناه أن يحدث -حيث أنه حق لهؤلاء المهمشين من المصريين بالعشوائيات- وأراه يتحقق أو في طريقه للتحقق, ويبقى أمامنا طريق طويل في هذا المضمار.
بكل صدق, أعتبر أن ما يحدث في مصر بهذا الملف -المساكن بديلة العشوائيات- هو مشروع بناء الإنسان, وليس بناء العمائر أو الوحدات السكنية, وهو استثمارٌ في البشر وليس في الحجر, إذ أن خلق بيئة إنسانية يجد الإنسان فيها نفسه ذو قيمة حضارية وخدمية واقتصادية, يخلق داخله شعورًا بالانتماء لهذا الوطن وللمجتمع من حوله, ويجعله إيجابيًا مضيفًا ينتفع منه الناس ولا تخرج منه أي سلبيات بسبب البيئة القاسية التي يعيشها هؤلاء المصريين في تلك العشوائيات.
ولقد ظللنا نصرخ أن هذه العشوائيات تعتبر قنابل موقوتة موجهة في وجه الوطن, ولابد من تضافر الجهود لحل معضلتها, وأنه لا يجب أن نترك الأجيال تخرج من بين أزقتها دون انتشالهم من تلك البراثن المظلمة داخل تلك العشوائيات, وها نحن نجد الدولة تقوم بهذا الجهد بشكل منقطع النظير, مما جعلني أتلمس تحقيق الحلم الذي ظلت مصر تحتاجه سنين طوال.
ولا ننسى أن علينا توجيه البرامج التثقيفية والتربوية والعلمية صوب هؤلاء المصريين الذين يتم نقلهم الى المساكن البديلة, حيث لابد من رفع الوعي لديهم كي يُقدّروا ما قامت به الدولة من تحدي كبير وضخم, وأيضا لترقية الثقافة العامة لديهم تجاه المجتمع والوطن, كي نحصل منهنم على نتائج إيجابية, من خلال تثقيفهم وترقيتهم تعليميًا وتربويًا ومجتمعيًا.
وبكل تأكيد, لا يمكن أن تنجح تلك الجهود الضخمة من الدولة, دون الوصول إلى تحمل الوالد لمسئولياته في تلك الأسر التي عاشت في العشوائيات وغيرها, عن طريق قوانين الدولة الملزمة والمنظمة لذلك, إذ أن فكرة الزواج بأي شكلٍ كان, والسكن في أي مكانٍ كان دون أي مسئولية على رب الأسرة هو أمرٌ يجعل التنمية شيئًا صعبًا, ولابد من أن يقوم الشاب المُقدِم على الزواج من تدبير الأمر بشكل متكامل, وليس فقط تكوين أسرة بغرض إنجاب عدد من الأبناء ممن يقوموا بالعمل ثم الصرف عليه كما نراه في بعضٍ من الحالات كثيرة.
تحية تقدير وإجلال للدولة المصرية التي تقوم بهذا الجهد الخارق, الذي رفع لدينا الأمل في تحقيق الحلم الذي طال انتظاره, بعد أن كدنا نقتنع بأنه يومًا ما لن يتحقق.
