”“نَعم أبي ولكن”“ بقلم م اشرف الكرم
م اشرف الكرم المصريين بالخارجلا يخفى على أحدنا كيف تعب الأب والأم في تربية الأبناء، وكيف جاهدوا وسهروا عليهم ليحافظوا عليهم، وليربوهم بأفضل ما يمكن كلٌ حسب إمكانياته وقدراته.
ولا ينكر أحد مكانة الوالدين في الدين، وكذلك في الموروث الثقافي والأخلاقي عند الناس، وبما لا يحتاج معه أي مجهودٍ لإثبات ذلك، أو لإقناع منكِر لتلك المنزلة إن وُجد.
ورغم ذلك، نسمع كثيرًا ونتابع، أنَّات البعض من الآباء وشكاواهم من الأبناء، مثل: أبناؤنا من مسئولياتهم تجاه الآباء يتهربون، ومن المتابعة الواجبة لهم يُخفقون، ونتابع الأنين من الوالدين بما يجعلنا نحكم على الأبناء بالجحود، ونسيان الجميل والتقصير وقلة التقدير.
لكننا وفي نفس الوقت، نسمع صوتًا آخر بدأ يَئِن أيضًا يأتي من بعيد، صوت الأبناء المثقلين المجهَدين من إرث حياة ضاغطةٍ قاصمة.
تلك الحياة، التي لم تعد كما كنا نحن فيها، فقد تغير فيها كل شيء، حتى القيم والأعراف والقواعد قد تبدلت وتبددت، وأصبح الجميع يجري ليلحَق بأهدافٍ وُضعت ليلهث خلفها الجميع.
صوتٌ، قد لا تسمعه آذان العقل الجمعي بالمجتمع، والذي يصرخ قائلا: نعم أبي، لقد قمت معي بالكثير من الجهد والتعب والمكابدة، سواءا في تعليمي ورعايتي وتربيتي، أو بتوجيهي ومساعدتي وتثقيفي، ولقد قمت معي بأكثر مما كنت أتوقعه، وهو ما لم ولن أستطع أن أنساه أبدًا، لكنك ترانا اليومَ نُسحق في وقتٍ تتلاطم فيه أمواج الحياة، نقاومها بكل ما نستطيع لنبقى، فكن لي فيها يا أبي عونًا، ليس بمواصلة الجهد والكَد والتعب، لكن فقط بأن تلتمس لي الأعذار ولإخوتي.
وللحقيقة،، فإن جيل أبناؤنا لهم بعض الحق فيما ذكره الإبن لأبيه، وقد حان الوقت الذي علينا فيه أن نرفع عنهم الحرج،
فدنياهم اليوم ضاغطة، تسرق الوقت والجهد والتفكير، وترصد وقت الأبناء في التخطيط والترتيب والتدبير.
والحل فيما أرى، هو أن يجتمع الآباء في بيوتٍ دافئة، برعايةٍ صحية ونفسية راقيةٍ هانئة، يجمعهم فيها مع أقرنائهم تاريخٌ واحد وتراثٌ مشترك وسن متقارب، يتبادلون فيها حديثًا فيه تواصل وشغف، غير منفصلين عن بعضهم البعض سنًا وتفكيرًا، ولا تفصلهم فوارق الأحلام والأفكار أو الأزمان، تلك البيوت هي دور رعاية الكبار، بمستوى سياحي وترفيهي وتعاوني في ذات الوقت.
تلك الدور التي لابد وأن نقبلها كمجتمع، بأن لا نجلد الأبناء إن اتفقوا مع الكبار -برغبة الطرفين إن توافقا- على أن ينزلوا فيها ضيوفًا مكرّمين، يسعدون بما يناسبهم فيها من التواصل مع نزلاء متشابهين، وأصدقاء متقاربين، لتهنأ حياتهم -أو ما تبقى منها- على أن يتابع الأبناء أحوال الآباء بشكل أو بآخر حسب الاحتياجات النفسية والمادية كلٌ على حسب حالته.
ولْنطلق سراح الأبناء ليركزوا في حياتهم بجهادها المضني، غير مثقَلين بأعباءٍ لن يستطيعوا حملها على وجه الكمال بمفردهم، وإن حاولوا.
هي ليست دعوة للضغط على الآباء، بقدر ما هي فتحٌ لمجال قد تكون فيه سعادة وراحة للآباء قبل الأبناء، ويرفضه المجتمع نفسيًا وعاطفيًا رغم منفعته.