”الموساد وحزب الله ” لواء دكتور سمير فرج
عادل شلبى المصريين بالخارجخلال الشهور الماضية، تعرضت منظمات الاستخبارات الإسرائيلية الثلاثة؛ الموساد (المخابرات العامة)، والشاباك (أمن الدولة الإسرائيلي)، وأمان (المخابرات العسكرية)، للهجوم والانتقاد بعد فشلهم، جميعاً، في إحباط مخطط حماس في الهجوم يوم 7 أكتوبر من العام الماضي، سواء باكتشاف موعده، أو باكتشاف كيفية حصول حماس على المعدات التي نفذت بها العملية الهجومية، والتي كان من ضمنها طائرات شراعية. فضلاً عما تلا العملية الهجومية من فشل تلك الأجهزة الاستخباراتية في كشف مواقع أنفاق غزة، للوصول إلى أماكن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين. وتسببت تلك السلسلة من الفشل الذريع، والإخفاقات المتتالية، منذ يوم 7 أكتوبر، في النيل من سمعة الجيش الإسرائيلي، الذي حاول، على مر العقود، ترسيخ صورة إعلامية عن نفسه بأنه "الجيش الذي لا يقهر".
وبعد مرور عام من الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة، ورغم ويلاتها ومرارتها على الشعب الفلسطيني، إلا أن الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية فشلت، مرة أخرى، في محو عار فشلها الأول في القيام بدورها، بل واستمرت في عجزها عن مساندة عناصر القوات الإسرائيلية في تحقيق هدفها من أعمال القتال، سواء على الأرض كما تجلى في معركة رفح، أو في القضاء على حماس، أو في تحرير الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، إذ لم تكتشف سوى 40%، فقط، من أنفاق غزة.
وفجأة، في الأسبوع الماضي، قامت المخابرات الإسرائيلية بعملية استخباراتية، نوعية، شديدة التعقيد، تمكنت خلالها من اختراق صفوف حزب الله، في جنوب لبنان، اختراقاً وصل إلى عناصر الحزب الرئيسية، وهو ما عجز، البعض، عن تصديقه، معتبرين ما حدث درب من دروب الخيال العلمي، الذي يصلح لأن يكون مادة للأعمال السينمائية الضخمة، التي لا يقدر على تكاليفها إلا هوليوود، عاصمة السينما العالمية.
بدأت القصة عندما أرسل أحد العملاء التابعين للاستخبارات الإسرائيلية، داخل حزب الله، معلومات، إلى قيادته الإسرائيلية، تفيد بأن حزب الله منع أفراده من استخدام أجهزة الهاتف المحمول التقليدية، وأن قيادة حزب الله تتجه نحو استخدام وسائل اتصال بدائية من الجيل الأول لأجهزة الاتصالات المعروفة باسم "بيجر"، أو “Pager”، كنوع من التأمين، لأن الجهاز يستقبل الرسائل فقط، ولا يرسل، مما يُصّعب من مهمة تحديد مكانه، وبالتالي من تتبع مستخدمه. ولما وصلت تلك المعلومات إلى جهاز الموساد الإسرائيلي، شرع على الفور في وضع خطة، بدأت باختيار أحد الشركات الآسيوية المُصنعة لتلك الأجهزة، يقيناً منه بأن حزب الله سيرحب بالتعاون مع كيان آسيوي، بدلاً من الشركات الأمريكية أو الأوروبية.
ووقع اختيار الموساد، بالفعل، على شركة جولدن أبولو التايوانية. وفي عملية للموساد، تمكنت عناصره من عرض تلك الشركة التايوانية على حزب الله، من خلال عميل للموساد داخل الحزب، الذي رشح تلك الشركة بحجة بُعدها عن عيون إسرائيل والغرب. وقام عميل الموساد بإقناع قيادات حزب الله بأن يتم شراء ذلك المنتج من خلال وسيط، وذلك بعدما كانت الموساد قد أنشأت شركة "شبه وهمية"، أطلقت عليها اسم "باك المجرية"، والتي انخرطت بدورها في مفاوضات مع الشركة التايوانية للحصول على حق توزيع أجهزتها. وبالفعل، قام حزب الله بالتعاقد، مع تلك الشركة المجرية، على شراء 5000 جهاز.
ولما وصلت الأجهزة من تايوان إلى المجر، قامت المخابرات الإسرائيلية بفتح الأجهزة التايوانية في المعامل التكنولوجية لوزارة الدفاع الإسرائيلي، اعتماداً على التفوق العلمي والتكنولوجي في إسرائيل، وتم زرع رقائق بداخلها، مثبت عليها مادة PETN، بحيث تستخدم تلك الرقائق في إرسال نبضات للجهاز، تؤدي لرفع درجة حرارته وبالتالي تنفجر تلك المادة، على الفور، بقوة، محققة نسبة تدمير عالية، وصلت لتفجير سيارة كان الجهاز موجوداً بها. وبحسب تقرير وكالة رويترز الأمريكية، فقد تأكد وجود بقايا مادة PETN في الأجهزة المنفجرة، بل وأكدت بعض المصادر أن عدد من الأجهزة قد انفجر حتى بعد نزع بطارياتها، للتدليل على أن البطاريات لم تكن أساس التفجير.
يُُعرف عن تلك المادة إمكانية تحويلها إلى بلورات شفافة لا رائحة لها، لتطويع شكلها، ورغم مقاومتها للاحتكاك، إلا أنه عند تفجيرها، عمداً، بالحرارة أو الصدمة، تطلق كمية هائلة من الطاقة، مخلّفة دمار كارثي، وهو ما يجعلها المادة المفضلة في تنفيذ مثل تلك النوعية من العمليات السرية، خاصة وأنه يسهل تهريبها بواسطة مختلف وسائل النقل، عبر الموانئ الجوية والبحرية والبرية، دون كشفها من خلال أجهزة التفتيش والرادارات العالمية. والحقيقة أنه، حتى لو كان كشفها ممكناً من خلال التفتيش، فإن الوضع الخاص الذي فرضه حزب الله لنفسه داخل لبنان، كان ليقف حائلاً دون ذلك، إذ لم يتم فتح الشاحنة، ودخلت على الفور إلى مخازن الحزب، وتم توزيعها على عناصره، وكان السفير الإيراني في بيروت واحداً ممن تسلم أحد تلك الأجهزة.
وقد أكدت تلك العملية على خبرة إسرائيل التكنولوجية، بقدرتها على اختبار تلك المادة، وتطويعها لخدمة أهدافها، في تنفيذ العملية، التي راح ضحيتها 8 أشخاص، وأصيب 2750، بينهم 2000 حالة حرجة، منهم ٥٠٠ أصيبوا بالعمى، نتيجة انفجار الجهاز بالقرب من أعينهم، عند التقاطه للاطلاع على الرسالة الواردة عليه. وقد اتبعت إسرائيل نفس الأسلوب، مرة أخرى، في تفخيخ أجهزة الاتصالات اللاسلكية، لتُعوض أجهزتها الاستخباراتية الثلاثة؛ الموساد، والشاباك، وأمان، بعض من خسائرها، بتوجيه ضربة قوية ضد حزب الله لم تستغرق سوى دقائق معدودة.