هذا ما فعله ”الواد داروين ورفاقه” يا شيخ علي جمعة
بهجت العبيدي المصريين بالخارج
مؤلم هو هذا التعالي الذي يصدر عن أناس كان يجب أن تكون أول الخصائص التي يمتلكونها هي التواضع، مؤلمة هي تلك النظرة الدونية التي ينظر بها من يضعون أنفسهم فوق البشر، وذلك لتصورهم أنهم امتلكوا الحقيقة المطلقة، هذه النظرة الدونية التي ينظرونها لعلماء أفادوا البشرية أكثر آلاف المرات من أصحاب هذا التعالي وتلك النظرة.
كانت صدمتي بالغة وأنا أشاهد فيديو للدكتور علي جمعة مفتي مصر الأسبق وعضو مجلس النواب الحالي رئيس اللجنة الدينية به، وهو يتحدث عن "زنا القرد" والذي هو مدون في صحيح البخاري، ولا أنكر أن كلام الشيخ، الذي أحترمه كثيرا، وإن كان هذا الاحترام وُضِع في دائرة المراجعة والبحث الآن، لا أنكر أن كلام الشيخ أقنعني حينما أوضح مثل هذه الروايات لا علاقة لها بصحيح الدين، ولا يمكن أن يؤخذ منها تشريعا، ولكنها على حد تعبيره "ونس" بمعنى أنها حكاية مسلية تصلح أن يؤخذ منها عبرة.
طبعا هذه القصة والتي جاءت على لسان الصحابي عمرو بن ميمون في صحيح البخاري: ( رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم ) والتي جاءت في "فتح الباري" للحافظ ابن حجر على هذا الشكل :
"ساق الإسماعيلي هذه القصة من وجه آخر مطولة ، من طريق عيسى بن حطان ، عن عمرو بن ميمون قال :
كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف ، فجاء قرد من قِرْدَة فتوسد يدها ، فجاء قرد أصغر منه فغمزها ، فسلت يدها من تحت رأس القرد الأول سلا رفيقا وتبعته ، فوقع عليها وأنا أنظر ، ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق ، فاستيقظ فزعا ، فشمها فصاح ، فاجتمعت القرود ، فجعل يصيح ويومئ إليها بيده ، فذهب القرود يمنة ويسرة ، فجاءوا بذلك القرد أعرفه ، فحفروا لهما حفرة فرجموهما ، فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم" انتهى.
هنا بعد أن بيّن الشيخ علي جمعة - وليس لنا هنا رأي ولن ندخل في نقاش معه في ذلك - أن هذه القصة التي قيلت على لسان الصحابي قد تمت في الجاهلية، وفي معرض شرحه لهذه القصة غير المعقولة: حيث أن لا زواج هناك بين الحيوانات، ومن ثم لا زنى، نقول: حاول الشيخ علي جمعة أن يصوغ بطريقة أو بأخرى لإمكانية وقوع مثل هذه "الحكاية" بوجه الشبه بين القرد والإنسان حيث أن الأول يضحك كما يضحك الثاني ويأتي من الحركات الأخرى ما يأتي به الثاني أيضا، فقال: "حتى أن الواد داروين "وهنا لب اعتراضنا على استهزاء الشيخ بعالم بيولوجي كبير" قال - يقصد الواد داروين - لهذا الشبه الذي استشهد به الشيخ، أن الإنسان أصله قرد".
وفي الحقيقة، فإن نظرية التطور التي أسسها تشارلز روبرت داروين (بالإنجليزية: Charles Robert Darwin) هو عالم تاريخ طبيعي وجيولوجي بريطاني ولد في إنجلترا في 12 فبراير 1809 في شروزبري لعائلة إنجليزية علمية وتوفي في 19 أبريل 1882. والده هو الدكتور روبرت وارنج داروين، وكان جده "إراسموس داروين" عالماً ومؤلفاً بدوره.
هذه النظرية التي أسسها تشارلز داروين وعمل عليها بعده العديد من العلماء، لا تقول أن الإنسان أصله قرد، ولكنها تقول أن هناك أصل واحد "جد مشترك، أو سلف مشترك" لكل من الإنسان والقردة العليا، هذه واحدة، أما الثانية، فإن المجتمع العلمي يدعم الغالبية العظمى منه وكذلك كل الأوساط الأكاديمية نظرية التطور بصفتها التفسير الوحيد الذي يستطيع أن يفسر تفسيرًا كاملًا الملاحظات في مجالات علم الأحياء وعلم الأحياء القديمة والبيولوجيا الجزيئية وعلم الوراثة والأنثروبولوجيا، هذا الذي استفاد منه علم الطب إفادة بالغة في تلك الأدوية التي تعالج الناس ومنهم بطبيعة الحال الشيخ علي جمعة الذي أظهر استهانة بالغة بمؤسس هذه النظرية فوصفه تحقيرا ب "الواد داروين" وكأنه يتكلم عن شخص نكرة، أو كأنه يتحدث عن أحد "الصيّع" هذا الذي كان بالنسبة لي صدمة ما بعدها صدمة، فإذا كان أحد أهم من نعتبرهم وسطيون وعقلانيون في مجال الدين ينظر للعلماء الحقيقيين هذه النظرة الدونية، فما بالنا بهؤلاء الرجعيين المنغلقين المتشددين، الجهلة في كل العلوم الطبيعية، ممن يصفون أنفسهم بعلماء أو رجال دين؟!.
إن أمثال العالم الإنجليزي تشارلز داروين، سواء أتفق معهم الشيخ علي جمعة وكل الرجال الدين من كل الأديان أو اختلفوا معه، فإن لهم أيادٍ بيضاء على البشرية ربما تفوق، بل الأكيد أنها تفوق الغالبية الساحقة ممن يطلق عليهم رجال أو علماء دين، فلولا جهود هؤلاء العلماء الحقيقيين، لم تكن تنعم الإنسانية بكل هذا التطور في كافة مجالات الحياة، ولعل رجال الدين ومشايخه، وخاصة من هم مثل الشيخ علي جمعة الذي مازلنا نكن لهم التقدير، أن يعيدوا النظر فيما للعلماء الطبيعيين من دور وفضل على البشرية، ولعل آخر هذه الأدوار وتلك الأفضال، ما قام به علماء الطب، ولم يكن لهم هذا لو لم يمهد لهم علماء من مثل "الواد داروين"، من اكتشاف لقاح فيروس كورونا الذي ضرب العالم، وجعل الجميع ومنهم الشيخ علي جمعة يلزم بيته، لا يستطيع الخروج منه حتى لأداء الصلاة بالمسجد خوفا ورعبا من هذا الفيروس الشرس، والذي لو لم يحاصره هؤلاء العلماء لحصد أرواح مئات الملايين من البشر إن لم يكن المليارات.
إنه بفضل العلماء من أمثال "الواد داروين" بدأ العالم يعود رويدا رويدا إلى ما كان قبل أن يضربه هذا الفيروس اللعين، هذا الفيروس الذي "تطور" - نظرية التطور التي أسسها "الواد داروين " هنا أيضا - من سلف له ليصبح أكثر شراسة وفتكا.
نعم بفضل العلم والعلماء والذين لم يتوقفوا عند دين بعينه، ولم يمنحوا ابتكارهم لأصحاب دين دون غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، بفضل هؤلاء العلماء الذين يحاربون الأمراض المختلفة والفيروسات العديدة ينعم الإنسان بما ينعم به الآن من صحة جيدة.
إن ما ذكره الشيخ علي جمعة وما أظهره من تعالٍ على عالم بحجم "الواد داروين"، وتحقيرا له، يبدو أنه إيمان راسخ لدى رجال الدين، فهل يمكننا أن ننسى رأي الشعراوي في العلماء الذين أفادوا البشرية وتأكيده أنهم لا نصيب لهم في الجنة، هو طبعا يقصد غير المسلمين، حيث أن الجنة عندهم هي مكافأة حصرية للمسلمين، وما دونهم فهم في نار جهنم مخلدون فيها مهما قدموا من خدمات للإنسانية.