×
26 شوال 1445
4 مايو 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
أخبار

الأقوال المأثورة دستورًا

المصريين بالخارج

الأقوال المأثورة فى نظرى مبادئ للسلوك ، لا يلبث القول عند اتباعه أن يصبح دستور حياة.

(1) يأتى فى مقدمة الأقوال التى أعجبت بها إلى درجة العشق عندما صادفتها وأنا مازلت صبياً:

إذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تكون جباناً .

قالها أبو الطيب المتنبى . إن من يتنازل تجنباً للموت قد يموت برغم تنازله . استفدت من هذه النصيحة فى مرة طلب منى زميلى أن أعتذر لأستاذ له السطوة على ؛ كى أفلت من الرسوب، لكنى رفضت ، فقد كانت تلك القولة تغطى عينى ، وتجعلنى لا أرى شيئاً سواها ، وقلت قد أعتذر وأرسب وأكون قد خسرت نفسي والنجاة معاً. ولم أعتذر ونجحت ، وربحت نفسى والنجاة معاً . بل وقابلنى الأستاذ وقال لى لقد حرصت أن أرى نتيجتك بنفسى ، هنأنى واحترمته جداً عندما وجدته يحترم من يعتـزُّ بنفسه .

فى مرحلة من حياتي رفضت أن أقدم تنازلات لأحد الذين يتحكمون في مصائر الناس بينما فعل زملائى ، وعجز أن ينال منى ؛ لأنه لم ير منى خوفاً ، كانت نظرة عينى تقول له : ماذا بعد الموت ؟ أهلاً بالموت ولا أهلاً بما تريد .. !! أتدرين بعد سنوات وجدته يرسل لى السلام وسط دهشتي الشديدة ؟! فقد كنت أظن أنه لابد أن يسقط من ذاكرته صداعه الوحيد ، الشخص الذى قال له لا . وقتها قلت قد لايكون بيننا حب ، لكن الاحترام كالمسك ، لو أمسكت به يد ملوثة لن تغيّره ، بل سيترك هو فيها رائحته الطيبة .

إذا استطعتِ أن تجلسي خارج نفسك لتشاهدى نفسك فافعلي . فلا ينزلق الإنسان إلا فى الأوقات التى يغيب فيها عن نفسه كثيراً . قليل من الغياب لا يضرُّ ؛ لأنه حتى لو أخطأ فقد خُلِقَ الإنسانُ ليخطأ . المهم ماذا بعد الخطأ ؟ هل الإصرار على الخطأ والاستمرار فيه أو رفضه ومقاومته ؟ إن رجلاً كعمر بن الخطاب حارب الإسلام ثم اكتشف أنه على باطل فدخل الإسلام وحارب باطله بنفس القوة أو أشد ، لهو الصواب المطلق . لإنه بإسلامه غُفرت ذنوبه ، والمغفرة لا تعني محو الذنب ، بل ستره ، فإذا تاب الله حوّل له هذا الذنب إلى حسنات . فكانت سيئاته قبل الإسلام أيضاً حسنات .

وانظرى مضاد عمر إنه عمرو بن هشام : كان فى خندق واحد مع عمر ، يحارب الإسلام بشدة واكتشف أيضاً باطله ، لكنه أصرَّ عليه ، انظرى أين هو من عمر؟ أحدهما ضمن الجنة وهو مازال على الأرض ، والآخر ضمن جهنم وهو أيضاً على الأرض برغم أن كليهما غاب عن نفسه فى البداية بعض الوقت .

رباه ، إن الشيخوخة صقيع ، فى وقت بنية الجسم ضعيفة، فلو كان لهذا الإنسان تصرفات محترمة لتشكلت على هيئة معطف من الصوف يقيه البرد ، ويمضى يحس الدفء . فى حين يرتجف غيره برداً . هكذا الاحترام كالنور لو اجتمع عليه ظلام العالم لم ينل منه ، بل قد يترك النور بصمته فى بعضه .

(2) قول آخر ، هو : “إنْ تعف فأنت على صواب” هذا القول قولى طرأ على ذهنى فى لحظة مهمة ، كنت أصدر مجلة أنا وصديق لى ، فعرض بعضهم علىّ عرضاً مغرياً ،أن أكون وحدى رئيساً ويتم الإطاحة بصديقي ، رفضت وقلت الإنسان أبقي من الأشياء ، وماذا لو قبلت ، وبعد وقت غير طويل أطاحوا بي ؟؟ خسرت المنصب لكنى لم أخسر صديقي ، ولو كنت أطعت الإغراء لخسرت صديقي وطردت أيضاً . وبعد ذلك قرأت أكثر من مرة لأكثر من شخصية عظيمة أقوالاً فى معناه أذكر منهم علي بن أبي طالب وهنا نقول إن الحق نتاج فطرة سليمة ، فكل من كانت فطرته سليمة يقول حقاً .

الحقيقة إن هناك أقوالاً كثيرة أقولها ، ثم اكتشف أن هناك من سبقنى وقالها ، لكنى لا أغضب ، بل أكون أكثر سعادة ، فذلك أشبه باستفتاء على صحة القول .

قدمت نصيحة عابرة لأحد المحيطين بى ، وقلت له: “لا تؤجل رأيك فتضطر إلى تأييده عندما ينطقه غيرك” . وضربت له مثلاً بابن عمر الذى كان وحده يعرف إجابة سؤال سأله الرسول صلي الله عليه وسلم ، ولم تستطع الصحابة الإجابة ، فلما أخبر أباه أنه كان يعرف الإجابة ، قال له أبوه : لو قلتها لكان أحب إلى من الدنيا وما فيها . ثم وجدت هذا الشخص حزيناً ؛ لأنه لم يسارع بإعلان رأيه فسبقه آخر . وهنا قلت له: لا يجب عليك أن تحزن ! فتعجب ، وقال لى ألست أنت القائل لتلك العبارة ؟! قلت له : لا يجب أن تحزن ؛ لأنه وإن كان قد سبقك إلا أنك استفدت شيئاً ، اكتشفت أن فطرتك سليمة . وهذا شىء لا يغضب ، ولعل عمر بن الخطاب برغم تمنيه أن ينطق ابنه الإجابة كان سعيداً سعادةً لا توصف ؛ لأنه اكتشف ذكاء ابنه ، وإن كان لم يعرف به أحد.

(3) قولة أخرى تتعلق بالسياق السابق ، قال حكيم : “اعص النساء وهواك وافعل ماشئت ”، عصيان الهوى هو الخطوة الأولى للنجاح. وفى هذا الصدد يقول على بن أبي طالب كرّم الله وجهه :“خالف نفسك تسر”. إن النفس أمارة بالسوء ، فإن تخالفها تتلاف السوء بطبيعة الحال . لم أترفع عن هوى إلا وكنت حقاً، إلا كسبت الأكثر بقاء، كسبت إنساناً وخسرت شيئاً. والإنسان هو أعجوبة الزمان .

مازالت آومن أن المكاسب المادية تزول ، ولا يبقى إلا الإنسان ، وأقصد بالإنسان المعنى النبيل ، فلو ضحيت بشىء مادي وفاءً لصديق ، فقد انتصرت للوفاء ، وهذا النبل هو الإنسان . ولو تنازلت عن مكاسب عديدة من أجل من تحب ، فقد انتصرت للحب ، والحب هو الإنسان فى معناه النبيل ، ولو خسرت مادياً حتى لا تكون جشعاً فقد انتصرت للإنسان داخلك ، فالإنسان هو مجموعة المعانى النبيلة التى تبقى عندما تزول الإشياء ، فإذا وضعت الدنيا فى كفة ، وأحد المعانى النبيلة تلك فى كفة ، فحذارِ أن تختارى الدنيا ، بل اختارى الإنسان . قابل يونس بن عبيد رجلاً يحمل حلة ، فعرف أنه اشتراها من دكانه ،وكان ثمنها مائتين ، فسأل الرجل بكم اشتراها؟ فقال بأربعمائة ، فقال لا تساوى أكثر من مائتين فارجع حتى تردها ، فقال الرجل : هذه تساوى فى بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها ، فقال له يونس : انصرف معى فإن النصح فى الدين خير من الدنيا بما فيها ، ثم رده إلى الدكان ورد عليه مائتى درهم ، وخاصم ابن أخيه : وقال : أما اتقيت الله ؟ تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين ؟ فقال : والله ما أخذها إلا وهو راضٍ بها ، قال : فهلا رضيت له ، ما ترضاه لنفسك !! أرأيت ؟؟ خسر مادياً ليكسب نفسه .

(4) قول ثالث لكولردج Cosredg : “أنالم تجرحنى قط أي سخافة مالم تكن صادرةً منى” . أذكر مرةً أنى كنت واقفاً أمام فصلى وجاء أحد المدرسين الكبار فى السن فقط وقام بضرب الطلاب وهم واقفون معى متجاهلاً وجودي ، وكظمت غيظى ، وجاء مرًة ثانيةً وكررها ، ولما خاطبته افتعل أنه كان لايرانى ، ودخلت الحصة وأنا شديد الانفعال والغيظ من التصرف الذي أهملنى.

لكن فى لحظة إلقاء التحية على الطلاب قفزتْ إلى ذهنى قولة كولردج السابقة ، وكانت برداً وسلاماً على ناري . فهى حقاً سخافة ، لكنها لم تصدر منى ، وعلى الآخر أن يتضايق ؛ لأنه أخطأ ، وليس مطلوباً منى أن أتضايق لخطأ الآخرين وإذا كان النهر يتكدر صفاؤه بما يلقى فيه من قمامة ، فعليه أن يجتهد فى عدم الإحساس بها . فلا يجب أن نتكدر لسخافات الآخرين ، بل يجب ألا نحفل بها ، والأيام دول ، وسيأتى الوقت الذي يتم فيه تجاهله ،والبادئ أظلم . أحياناً أيضاً ألقى السلام على أحدهم فلا يرد ، وأمضي مغتاظاً ثم أتذكر هذه القولة التى تحولت إلى سلوك، فأبتسم وأقول : الأيام دول وقد يمر بك ويلقى السلام فلا ترد ، أو تمر به مرة أخرى وينتظر السلام فلا تلقه .

(5) قولة أخرى : لرجل يدعى أمبروزيوس ، تقول : “النجاح هو الخطيئة الوحيدة التى يرتكبها الإنسان بحسن نية ومع ذلك لايغتفرها له الآخرون”.ويقول سنيكا: “النجاح حالة لا تعرف الراحة”. وأعقّب على ما سبق بأن النجاح قتال ، ولا ينجح إلا ذو حمية ، وأن الإنسان لو تقمصه هذه الحمية وهذا الإصرار لكانت روحه فى يده يمكنه أن يفعل ما يتم فى شهور فى بضع ساعات . هذه الروح تذكرنى بإعرابية كانت تقول: “كنت فى شبابي أحسن من النار الموقدة” . والمثل يقول : “اللى يعمل ريس يجيب الريح من قرونه”. إنها روح يمكن أن نراها مُجسَّدة على وجوه أبطال أكتوبر ، روح تكسر المستحيل ، بل روح لا ترى المستحيل وإن رآه الجميع .

لذلك لا أومن أبداً بأن الوقت لا يكفى ، قد يكون الوقت قصيراً ، لكن يمكن أن يتمدد بتلك القوة الروحانية التى تجعل الإنسان يفعل الكثير فى وقت قصير . وكم من عظيم لم يعش كثيراً فكيف حقق العظمة فى وقت قصير ؟؟ دائماً أعتقد أن كل شىء ممكن مادام سيف الوقت لم يهبط على الرقبة .

للنجاح مقومات : منها الإيمان بالله ، ومنها تلك الروح التى تجعل الوقت القصير مساحة رحيبة يمكن أن يتم فيها كل شىء. تلك الروح التى يمكن أن نسميها الإرادة أو الإصرار فهى فى نظرى أمضى سلاحاً من الموهبة والذكاء ، وما أصرَّ إنسان على شىء إلا كافئه الله y على إصراره بتحقيقه له حتى لو كان مستحيلاً . إن الله لا يبخل بأمره الإلهى ( كن ) على من يصرّ على هدفه . فالله فى عون المرء ما كان المرء فى عون نفسه .

ومن مقومات النجاح أيضاً : الثقة فى الوصول ، فلن يصل إنسان لا يثق فى قدراته ، وإذا كنت لا أثق فى وصولى فلن أبذل جهداً للوصول .

ولا أرى تعارضاً بين الطموح والرضا ، فمن رأيي أن يصرَّ الإنسان على هدفه وأن يطلب العلا ويتشبث به ، فأثناء العمل أو المباراة يطلب ما يشاء ، لكن مع النتيجة يرضى بما قسم الله . وما أدرانا فقد يكون الخير فيما نراه شراً .

والاستعداد لتحمل عاقبة الفشل ، أو عدم الهرب من مسئولية الفشل . إن من يتهم نفسه بأنه السبب فى الفشل حتى لو كان الفشل يرجع لأسباب خارجية هو ذاته القادر على تجنب الفشل ذاته مرة أخرى ، بينما من يبحث عن شماعة فما أكثر الشماعات ، ومن يعلل لن يعدم تعليلاً ، ولذا سيتكرر الفشل وفى كل مرة سيجد التعليل . وفى الختام سينتهى إلى يقين بأنه سيء الحظ أو ”أرشل“. إن إبليس ذاته لا يعدم تبريراً لعصيانه أمر الله بالسجود لآدم .إذ يمكنه أن يقول لم أسجد لآدم لأني لا أسجد إلا لله ! وما أكثر ما هُزمنا فى مياريات فاتهمنا الحكامَ بالتحامل علينا .

وآخر عوامل النجاح عدم الارتكان على الغير ، فالعرب تقول : “ ما حك جلدك مثل ظفرك ، فتول أنت جميع أمرك”. ويقول المثل المصرى : “ بدل ماقول للعبد ياسيدى أقضى حاجتى بأيدى” . وفى طفولتنا دُرِّسَتْ لنا قصةٌ عن فلاح يريد قطع الشجرة، وتأتى أم العصافير ، فيخبرها صغارها بأنهم سمعوا الفلاح يتحدث مع أخيه ويطلب منه الحضور لقطع الشجرة ، فلا تحفل الأم ، ومرة أخرى ، يقولون لها : لقد سمعوا الفلاح يتحدث مع جاره ويطلب منه الحضور ليقطعا الشجرة ،ولا تحفل الأم ، إلى أن يقولوا لها لقد سمعوا الفلاح يقول لابنه : أنه سيحضر غداً لقطع الشجرة . هنا تنقل العصافير صغارها ؛ لأن الأم الحكيمة فهمت أنه مادام قد اعتمد على نفسه فسينجز .

وقد وظفت تلك الحكاية فى قصة قصيرة جداً لى ، وجعلت مكان الفلاح يتيمين ، وجعلت العصافير غرباناً ، وظلت الغربان لا ترحل ، الصغار تقول للأم ، لقد طلب اليتيمان من عمهما الحضور ، فلا تأبه ، طلبا من خالهما الحضور فلا تأبه ، ثم يقولون لها لقد سمعنا اليتيمين يتفقان أن يقطعا الشجرة غداً ، فلا تأبه ، فلم يعد مجرد الاعتماد على النفس كافياً للإنجاز ، بل لابد من الشروع ، لذلك لم تأبه أيضاً ، لكن عندما يبدأ اليتمان فعلاً في ضرب الغربان بالحجارة ، تحمل صغارها وتمضى . فى القصة إضافة على الحكاية القديمة ، إن النية نفسها لا تكفى ، وكذلك الاعتماد علىالنفس لا يكفى دليلاً على التنفيذ ، بل لابد من الشروع فعلاً فى التنفيذ .

فلا تركنى لتعليل مقنع ، فهو باب مغارة مظلمة . وإذا حدث فشل فاعتبرى نفسك المسئولة ، هنا سأبحث عن قصور ما وأعالجه ، بينما الذى وجد التعليل استكان إلى ذلك وانتهى الأمر وظل القصور موجوداً ، وإذن فمنظومة الفشل مازالت مستمرة .

(6) قولة أخرى لنيتشه : “ كل مالايقتلنى يقوينى ” . أضعها نصب عينى دوماً فى كل الأزمات ولهذا أحوّلها من ضربة قاتلة إلى لبنة فى بناء جسمي . وهذه القولة لها ما يماثلها فى تراثنا العربي ، وفى أمثالنا : “الضربة التى لا تميت تشد الظهر ”. لكنها ظلت فى ذهنى مرتبطة بأول من قرأتها له .

(7) من الأقوال التى أعجبت بها فى شبابي المبكر قولة لتولستوى Tosstoy يقول :“ لا تقاوم الشر بالشر ، وإلا اشتركت مع الشرير فى شره فماتت الفضيلة بينكما”. ثم لم ألبث أن أكتشفت أن تولستوى المحب للشرق والإسلام قد اقتبسها من آية قرآنية هى : وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (35) . فصلت

(8) يقول المتنبي فى بيت شهير :

الخيل والليل والبيداء تعرفنى والسيف والرمح والقرطاس والقلم .

لكن ما شأننا بقولة يفتخر بها صاحبها ، حقاً إنه بيت فخر لكنه لعب دوراً فى حياة قائله ، فعندما أراد أن يحيد عن طريق يقف فيه أعداؤه ؛ لأنه كان وحده في مقابل أعداء كثيرين ، ذكّره خادمه بهذا البيت ،فلم يقدر أن يهرب من نفسه وشق طريقه إليهم ، وظل يقاتل فى شجاعة حتى لاقى حتفه ، مات حتى لا يتضاءل أمام نفسه . فما كان سينجو لو هرب من أعدائه بهذه الطريقة ، بل كان سيهرب إلى شقائه ؛ لأنه سيهرب إلى نفسه التى شهدت صورته الضئيلة ، لقد مات المتنبى فخُلِّدَ ، ولو هرب إلى الحياة لمات وهو على قيد الحياة . لذا اختار الموت ليحتفظ بصورته رائعة أمام نفسه حتى اللحظة الأخيرة .

وأروع من ذلك موقف خبيب الأسير الذى وقع فى كمين ، ورفض أن يسلم إلا بعد أن عاهده الأعداء على الأمان ، لكن الكفار خانوا عهدهم ، وباعوه إلى أهل مكة ، فاشتراه رجل موتور من خبيب لأن خبيباً قتل أباه فى بدر ، وقرروا أن يقتلوه . وفى انتظار القتل كان معه موسى حادة يحلق بها ، وغفلت صاحبة البيت عن ابنها ، فدرج حتى وصل إليه ، وحمله خبيب على ركبتيه ، وذهلت المرأة عندما رأت طفلها بين يدى الأسير المنتظر القتل وفى يده الموسى ، وأيقنت أن ابنها هالك لا محالة . لكنه طمأنها وقال لها لا تخافى ما كنت لأفعل ذلك وترك الطفل . فكانت بعد مصرعه تقول : لم أجد أسيراً أكرم من خبيب .

أخلص من ذلك ألا يهرب الإنسان من نفسه ، وأن البعض قد يفضّل الموت ويظل بحجمه لا يصغر ؛ لأنه لا يطيق أن ينظر فى مرآة نفسه فيجد نفسه صغيراً .

لا تسمحي لألبوم ذكرياتك أن يكون فيه صورة لك ضئيلة منكمشة باهتة . تهربين منها كلما طافت على بالك ، كوني مثل ذلك الصبي المملوك الذى كان يرعى الغنم لسيده فالتقاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال له عمر مختبراً: بعنى شاةً من هذا الغنم ، فقال إنى مملوكُ ، فقال له : قل لسيدك أكلها الذئبُ، فقال الراعى : فأين اللهُ ! فبكى عمر وذهب إلى سيده فاشتراه منه وأعتقه لأنه رأه من أعلى الناس . نوعية من لا يهرب من نفسه، مما سبق يمكنك أن تفهمي كيف يظل الإنسان متحداً مع نفسه يعجز عن الهرب عنها ، لو كان الله فى ذهنه . لقد لبست امرأة ثوباً 47سنة فلم يخرق ، فسئلت فى ذلك فقالت : “الثوب إذا لم يعص الله فيه لا يخترق سريعاً ” .

(9) “ الآن وهنا ” ، شعار رائع ، إذا أردت أن تفعلى شيئاً فافعليه فى هذه اللحظة وفى هذا المكان ، إن من يؤجل عمله لسبب ما يظل يختلق الأسباب ويؤجل . إن كل إنسان يسعى إلى عمله بإصرار يصل إليه ، إلا إذا كان عوناً مع المعوقات على نفسه ، فلو ظن الساعى إلى هدف ما أنه لن يصل ، فلن يصل ، فمادام هو ليس عوناً لنفسه ، فلن يصبح هدفه واقعاً . إن كل من يكسر المستحيل كان يوقن وهو في الطريق بأنه سيكسره . وأولى المعوقات أن تأتينى العزيمة على عمل ، فأوخرها إلى موعد قادم ، بل انهضى إليها في اللحظة نفسها ، هنا طلاب يعزمون على المذاكرة بعد إجازة العيد ، أو بعد أن يأتي مكتب جديد ، مثل هذا الذى لا ينبرى إلى عمله في اللحظة وفي المكان لن يفعل في لحظة أخرى ولا في مكان متغير ،إيماناً بهذا الشعار ، عندما كنا نهم بإصدار مجلة أدبية اخترتها لها هذا الاسم ، وبدأنا في التجهيز فعلاً رغبة مناً في تكريس هذا الشعار في نفوس القراء ، ولو لم نفعل شيئاً سوى بث هذا الشعور في النفوس فهذا في نظرى قمة النجاح ، لكن طرأت متغيرات أخرى جعلتنا نغيّر الاسم إلى اسم آخر ، فرضته طبيعة اللحظة الراهنة وقتها ، فآثرنا أن نطلق على المجلة اسم “ 8 ديسمبر” ، تقديراً لأطفال الانتفاضة الذين هبوا يحاربون إسرائيل بالحجارة ، لم ينتظروا سلاحاً ، ولم ينتظروا أن يكبروا ، بل حاربوا بما يملكونه في لحظتهم وفي مكانهم ، فكانوا هم مصداقاً لشعارنا “ الآن وهنا ” فآثرنا أن نبرز يومهم الذى انطلقوا فيه وأطلقنا على المجلة اسم “ 8 ديسمبر” وقد كتبت أقصوصة بالاسم ذاته تحيةً لهم ، تقرر أن عيون الناس الصماء على الحق لا تفتح إلا بحركة صاحب الحق : أقصوصة 8 ديسمبر

ويقتنع الكبار، جسد هذا الفقير يتسع لآخر معه ، يأتى الآخر ، يقاومه الفقير ، أول حقوقه أن يكون جسده له ، ينتهى التشاحن بانفراد الغريب القوى بكل الجسم ..

وقف صاحب الجسد بعيداً عن جسده ، عارياً ، جائعاً ، لايطلب سوى أن يعود داخل جلده ، لكن الغريب يحاول أن يدفنه حياً ، مستغلاً أنه بلا جسد ، فلايراه أحد، يستغيث صاحب الحق ، لكن عيون الناس من حجارة ..

وحده عليه أن يقاوم ، يتناول حجراً يقذف به جسده الحبيب ، عله يؤلم الساكن فيه ، يرفع الساكن كل الحجارة ، يتلفت صاحب الحق حوله ، لايجد حجارةً إلا عيون الناس ، تمتد يده إليها ، يقذف بها اللص ، تتفتح عيون الناس لتنظر إليه .

(10) يقول مارك توين :“ كن مهملاً بلباسك إذا اضطررت ولكن احتفظ بنفس نظيفة ” . كونى كالشمس تمر بأماكن قذرة وتظل دوما نظيفة . ابنتى ، إن النفس مثل قطعة الشاش ، فلا تسمحى أن يعلق بنفسك أتربة من تصرفات الآخرين . إن كل شىء يمكن أن يضايق ، ويمكن ألا يضايق ، وشت جارية لصفية بنت حُيى أم المؤمنين بها لأمير المؤمنين عمر ، واتهمتها بأنها تقدس السبت وترعى اليهود معتمدة على أن صفية كانت قبل إسلامها من بنى يهود ، فلما علمت صفية بالوشاية ، سألت جاريتها عما حملها أن تفعل ما فعلته ، فقالت الجارية : الشيطان ، فقامت صفية بعتق الجارية لترد على خطيئتها بالعفو .. ولم تسمح لها أن تغير نفسيتها . ولا عجب ؛ لأن صفية كانت فى بداية إسلامها بركةً على قومها ، فعندما انتصر الرسول صلي الله عليه وسلمعلى قومها اليهود وقعت هى ـ وهى ابنة زعيمهم ـ من نصيب الرسول ، فأعتقها وتزوجها ، وهنا قال الناس أصهار رسول الرسولصلي الله عليه وسلم ، فأعتقوا ما فى أيديهم ، فلم تكن هناك امرأةٌ أكثر بركةً على قومها منها . وكان صلي الله عليه وسلم يلقّنها ما تدافع به عن نفسها ضد من يقلل من شأنها : قولى أبى هارون وعم موسى وزوجى محمد .

(11) واختم كلمتى لك بمجموعة من الأقوال الخاصة بى ، سبق أن أهديتها فى مقدمة أحد الكتب لابنى أحمد ، وجدت أنها تكمـل نسيج كلمتى ، وقد أحاول أن أعلق على بعضها .

“ وتجمعنى به ، ولاتجمعنى بك الوسيلة الواحدة ” . أرى أن الفارق بين إنسان وآخر ، يرجع إلى مقياس محدد هو الوسيلة ، فهى الفارق بين الناس . أنا لاأرى الغاية هى ترمومتر التقييم ، بل أرى أن الوسيلة هى الأهم ؛ لذلك كنت أنفر من هذا وأتجه إلى ذاك بمقياس الوسيلة .

“ لاتفضّل على نفسك من يفضّل نفسه ” ، مازلت أرى الأناني لا يستحق الإيثار ، فى مرة لمست عند صديق أنانيةً فى طلب له ، وكان قبل ذلك بلحظة يمتلك الكثير فى قلبى ، إلى درجة لو شعرت بحاجته إلى شىء يحتاجه لقدمته عن طيب خاطر دون أن يطلبه ، لكنى عندما قرأت فى طلبه حبه لنفسه ، وجدتني أعتذر ، ومضى يتملكه العجب لرفضى فقد كان يعرف مكانته عندى .

“ الجرم هو مابعد الجرم ” . أقصد بهذا القول أن الإنسان يشفع له الخطأ ، لكنه قد يضطر لإخفاء الخطأ بارتكاب خطأ أشنع ، قد يكابر ، هنا تكون جريمته الحقيقية . لقد ذهب رجل إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم يعترف بأنه ارتكب إحدى الخطايا ، لم يره أحد ، لكنه اعترف ، ويلح فى طلب العقاب ، كان موقفه الثاني هو الذى قاده إلى الجنة ، فقد تاب الله عليه .

“الندم أطول جريمة ؛ لأنه فيروس يتوالد ذاتياً ” ، أقصد قد يفعل الإنسان خطيئة ، فيستلمه الشيطان . فى يوم تعارك اثنان ، فضرب أحدهما الآخر فوقع على الأرض ، ظنه مات ولم يكن كذلك ، ويراه عزوز وقد ارتكب جريمته ، وهنا يستغله عزوز ويبتـزه ويسخّره لما يريد ، يجعله يشترك فى جريمة أخرى ، ولا يلبث الرجل أن يكتشف أن الذى مات لم يمت ، لكنه أصبح فى قبضة عزوز بالجريمة الثانية ، وهنا لا يفلته عزوز من متوالية جرائم . هذا العزوز يسمونه إبليس . فلسفة الشيطان أن يقذفك إلى ترعة الخطأ ، ثم يقف على الشط يلومك .

وثمة قصة عن الراهب برصيصا ،وهو عابد بني إسرائيل ، فقد استحفظه ثلاثة إخوة أختهم البكر حتى يعودوا من سفرهم ، فلم يجدوا في بلدتهم أحداً يأمنونه أكثر منه فهو أعبد أهل زمانه ، فوضعوها في بيت مقابل لصومعته ، وقد ظل الشيطان يطمّعه في عمل الخير ، فبعد أن كان يضع طعامها على باب صومعته وتنزل هي من بيتها وتقطع الشارع لتأخذ الطعام ، قال له الشيطان إنك بذلك تعرضها لعيون الناس وقد يعلق بها أحد ، فأصبح يضع الطعام على باب بيتها ، وواصل الشيطان ترغيبه في الخير ، حتى أصبح يدخل إليها الطعام بداخل البيت ، ويحدثها ، وانتهى الأمر بأن واقعها وحبلت منه ، فجاءه إبليس وخوّفه من إخوتها لو رأوا ابنها ، وأغراه بذبحه ، وطمئنه بأنها ستكتم ذلك حتى لا يعرف إخوتها بما صنعت بها ، فلما فعل ، خوّفه منها ، وقال له بعد أن ذبحت ابنها ستخبر إخوتها بما صنعت بها ، فاذبحها وادفنها مع ابنها ، ففعل . فلما جاءه إخوتها نعاها لهم ، وقال كانت خير امرأة وقد ماتت وهذا قبرها ، فبكوا أختهم ، وانصرفوا ، فجاء الشيطان لكل منهم في المنام فأخبرهم بالقصة كاملة ، وقال لهم لوفتحتكم القبر ستجدونها مع ابنها مذبوحين .. وتأكدالإخوة من ذلك فرفعوا أمر الراهب إلى الملك ، فأقر بما فعل ، فسيق إلى الصلب وسط عيون كانت تقدّسه ، والآن لا تحتقر أحداً مثله.

لقد دفعه الشيطان إلى أن يحوم حول الحمى ، فوقع في جريمة ، فاستغلها الشيطان ليجعله يفعل ما يريد . وللقصة بقية ، إن برصيصا عندما قُدم للصلب ، جاءه إبليس وهو موثق على الخشبة ، فقال له : إنْ أنتَ أطعتنى اليوم وكفرت بالله خلّصتك مما أنت فيه ، فكفر العابد ، فضحك الشيطان منه وتركه ومضى ، ومات العابد مصلوباً كافراً بربه ، حتى الكفر فعله ، ويقال إن برصيصا هذا هو الذى حكى القرآن قصته في قوله عز وجل : كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (16) الحشر.

الأقوال المأثورة دستور المتنبي لكولردج أمبرووزيوس سنيكا لنيتشه مارك توين اليهود

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

السبت 02:28 مـ
26 شوال 1445 هـ 04 مايو 2024 م
مصر
الفجر 03:33
الشروق 05:09
الظهر 11:52
العصر 15:29
المغرب 18:34
العشاء 19:59