×
18 شوال 1445
26 أبريل 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

مذكرات مهاجر مجهول الجزء الثاني ”20”

المصريين بالخارج

اشرف علي يعقوب

و في أثينا ، اثناء عقد مؤتمر تصلب الشرايين العالمي قابلت استاذ جامعي من جامعة تريستا بإيطاليا و كان من المعجبين ببحثي الذي قدمته في هذا المؤتمر، و شرحت له ابحاثي و نتائجها و حصولي على الجهاز الياباني و رحبت به اذا كان يريد ان يساهم في هذه الابحاث بإسم جامعته. فرح هذا الاستاذ و تحمس جداً لهذا المشروع و تواعدنا أن نتقابل بعد الرجوع لإيطاليا.

و في نفس هذا المؤتمر لمحت البروفيسور بانيان و لكني لم اكلمه، و اعتقد انه لم يلحظني.

في هذا المؤتمر ايضا حاولت ان اتحدث مع استاذة جامعية المانية مشهورة عالميًا بأبحاثها في مجال دهون الدم و تصلب الشرايين. اقتربت منها بأدب و عرفتها بنفسي و بدأت أن اسرد عليها ما أقوم به من أبحاث و لكنها اوقفتني بحدة و قالت:"لا يهمني ذلك و معكم لن أفعل شيئًا"، و دارت حول نفسها و تركتني في دهشة شديدة. لم يكن عندي أي تفسير لتصرف هذه الاستاذة، و اعتقد أن رفضها كان سببه رواسب عنصرية مازال يعاني منها الشعب الالماني حتى على اعلى مستوى علمي و تعليمي منه. و رغم أن الألمان يحسدون الايطاليين على جمال بلادهم و حلاوة لغتهم و طعامة اكلهم الا انهم يحتقرونهم لانهم في نظرهم اناس لا تحب العمل و غير منظمة و في طبعهم النصب و الإجرام، و هذا طبعا غير صحيح. و الالمان ايضا لا يحبون المسلمين و خاصة العرب و الاتراك منهم و اليمين الألماني يريد طرد ملايين الاتراك الذين ولدوا في المانيا و لا يعرفون غيرها بلداً بعد أن ساعد اجدادهم الألمان على الخروج من الدمار الذي جلبوه على انفسهم بإشعالهم نار الحرب العالمية الثانية.

و تذكرت ان زميلتي ادريانا حاولت الاتصال باستاذ الماني آخر من ميونيخ لاشراكه معنا في ابحاث القساطر و لكنه كان ينكر نفسه عنا باستمرار.

و بمناسبة المانيا سأحكي لكم هذه القصة القصيرة:

في احد الايام قال لي اخو زوجتي "موريتزو"، و الذي كان يعمل في مصانع شركة "ديلونجي" الايطالية العالمية الشهيرة المنتجة للادوات المنزلية الكهربية، ان هناك مهندس الماني من اصل مصري جاء لإيطاليا لزيارة مصانعهم. و قال أن هذا الشخص عندما عرف أن زوج اخته مصري طلب أن يقابلني و عزمني على العشاء معه في فندقه في تريفيزو. و قال لي موريتزو أن هذا الشخص المصري هو مهندس كبير و مدير مهم في شركته.

ذهبت في الميعاد المحدد و قابلني الباشمهندس احمد في بهو الفندق ذو الخمسة نجوم و جلسنا في صالونه. عرفته بنفسي و عرفني بنفسه. كان على ما يبدو في منتصف الستينيات من عمره. و كان يلبس ملابس مهندمة و مظهره مظهر من يحوز على منصب اجتماعي محترم و على مستوى عال من الثقافة.

أحمد كان شاب مصرياً من المنيل ، تخرج من كلية هندسة القاهرة و بعد تخرجه قرر الالتحاق بالجيش المصري كضابط مهندس. و فعلاً أتم تدريبه العسكري و انخرط في سلاح المهندسين. و عندما اشتعلت الأزمة التي سبقت حرب ١٩٦٧ ارسل مع فرقته الى سيناء.

حكي لي انهم لم يحاربوا شيئًا يذكر قبل أن يصدر لهم الامر بالإنسحاب الى غرب القناة و لم يكونوا على علم لماذا. و بينما هم في طريق العودة الغير منتظمة وقع في أسر العدو الاسرائيلي. وضعوهم في معسكر قذر للاسرى في سيناء، و اذاقوهم الوان من الاذلال و الاهانة من الضرب بالشلاليت و البصق على الوجه و الضرب على القفا و غيره، و قال بكيت كثيرًا لأننا كنا نهان على ارض بلادنا. و بعد اسبوع من العذاب أخذوهم الى داخل إسرائيل و بعد استجوابهم عرفوا انه مهندس فسألوه عن تفاصيل التحضيرات العسكرية للجيش المصري فرفض و تعرض للضرب و الاهانة و لكنه لم يدلي لهم بشئ يذكر.

و بعد حوالي شهر من التعذيب، فجأة تغيرت معاملتهم له و قال له أحد الضباط انهم لا يهمهم الآن معرفة الإمكانيات العسكرية للجيش المصري لأنه على حسب ما كانوا يقولون له "قد دمر تماماً". و مع تغير المعاملة أخذوه في جولة سياحية في كل إسرائيل ليرونه مدى جمال و تقدم و تحضر "بلادهم". و كان يكتم غيظه و يجاريهم على مضض.

و في النهاية قالوا له انهم يريدونه أن يتعاون معهم بعد عودته لمصر، و أن يصبح جاسوساً لإسرائيل، فقال انه لن يفعل ذلك أبداً. قالوا له فكر في الامر واعطوه عنوانًا في اليونان اذا غير رأيه و اراد الاتصال بهم.

و عاد لمصر، بعد حوالي ستة أشهر، في اتفاقية تبادل للأسرى توسط فيها الصليب الاحمر الدولي.

و كانت المفاجأة الكبرى ان بمجرد وصوله لغرب القناة تم اعتقاله بواسطة المخابرات الحربية المصرية. و بدلاً من استقبال ودي قوبل بإستجواب مشدد لكونهم شكوا في انه اصبح جاسوساً للعدو، كما حدث مع آخرين. قال لهم كل ما يعرف و كل ما رأى في إسرائيل بالتفصيل. و لكنه ظل في المعتقل حوالي ستة أشهر و لما لم يجدوا ما يدينه و ثبتت براءته اطلق سراحه و لكنه سرح من الخدمة.

و اصبح بلا عمل و لم يجد أي وظيفة فقرر الهجرة لالمانيا، و في أواخر الستينات كانت المانيا تحتاج لمهندسين من نوعه. سافر الى ميونيخ و هناك وجد عملا في احدى المصانع و بدأ كموظف بسيط. و تعرف على عاملة المانية بسيطة مثله و احبها و تزوجا. و كان اهلها غاضبين جداً من هذا الزواج و قاطعوها، و حتى اصدقاؤها قاطعوهم ، فسكنا في شقة صغيرة على اطراف ميونيخ ، و لم يكن يزورهم احد. حتى الجيران كان غاضبين من أن المانية تتزوج من عربي مسلم و تعيش في نفس عمارتهم ، بل و كانوا يكتبون على باب شقتهم عبارات عنصرية و شتائم و يرسمون رسومات مهينة لهما و يلقون القمامة امام باب شقتهما.

و رغم كل هذا نجح أحمد في التقدم في عمله و ترقى في منصبه لحاجة الشركة له و تدرج حتى وصل لمراكز المديرين. و سعد بحياته الى حين لكن زوجته لم تنجب، و بعد عدد قليل من السنوات جاءت اليه لتقول انها تريد الطلاق و انها لم تعد تتحمل العيش معه بدون حياة اجتماعية ، و انها حقيقةً تخجل من انها زوجة عربي مسلم ، و ان حبهما و زواجهما كان نزوة شباب و خطأ كبير، و انها في النهاية تعرفت على رجل ألماني تخرج برفقته و انها تشعر معه بالسعادة و انها تريد العيش معه.

لم يجد أحمد بُدًا عن الطلاق.

و سألته هل تزوجت بعدها، قال :"لقد عشت مثلهم، أي مثل الالمان، اصاحب احدى السيدات، و قد احبها، و نتمتع معا بالسفر و الفسحة و السهرات ، ثم كلٌ على بيته. و قد غيرت الكثير منهن و عشت حياتي بالطول و العرض، و لكن ها أنا ذا قريب من الخروج على المعاش و اعيش وحيدًا و لم أعد جذابًا للنساء و ليس لي حتى رغبة فيهن. اخاف من الوحدة و احس بوطأة قربها عندما تمر الايام بدون أن اكلم احداً و لا يسأل عليّ انسان و اتصور أن اموت يوماً و لا يشعر بموتي أحد و اظل في شقتي حتى يتحلل جسدي و يكلم الجيران الشرطة بسبب رائحة العفن". قال هذا و ترقرقت عيناه بالدموع. قلت له :"لماذا لا تعود الى مصر، و لماذا لا تتزوج مصرية من سنك تونّسوا بعض؟". قال :" اهلي كلهم ماتوا في مصر و لا اعرف هل سأجد اصدقاء زمان ام لا ، و بعد ثلاثين سنة في المانيا قد لا أستطيع العيش في مصر، بالإضافة انه ليس لي تأمين صحي فيها و لا امتيازات اجتماعية كالتي أحوز عليها في المانيا، اما عن الزواج فأنا راجل خربان ، مين تتجوزني!!". و هنا فهمت لماذا ينقص عدد افراد الشعب الالماني بسبب عدم الخلفة. انانية الناس تجعلهم يفضلون الاستمتاع بالعيش بلا مسئولية و بأقصى ما يستطيعون من المتع بدون أن يرهقوا انفسهم بأطفال و التزامات عائلية و أحمال اسرية و خلافه. و لكن المشكلة هي من سيدفع معاشاتهم ؟؟؟. انهم الآن يدفعون معاشات من سبقهم ، و لكن لن يكون هناك عدد كافي من الشباب لدفع معاشاتهم عندما يحين الوقت.

تركت الرجل بعد العشاء و انا حزين. صحيح العازب يعيش كالملك و لكنه يموت كالكلب، خاصة و إن كان مهاجراً و بلا اولاد و لا اهل. و تخوفت من أن يكون مصيري مثل مصيره، و اصبح هذا هو رعب حياتي الاكبر.

و في النهاية لم يستطع البروفيسور أن يأذيني في عملي ، و لكن يبدو أنه حذر كل الاساتذة المختصين في مجال علوم دهون الدم في منطقتنا من التعامل معي. حاولت الاتصال باستاذ جامعة تريستا و لكنه رد علي بخشونة انه لا وقت لديه لعمل أي شئ معي. حاولت الاتصال بآخرين و لكن النتيجة كانت واحدة.

انتهت كيتات العوامل الكيميائية التي كان قد ارسلها لي ناكانو مجاناً، و طلبت منه آخرين فقال أن علي أن أدفع ثمنها، و بالطبع لم يكن لديّ أي ممول.

قلت لنفسي :"حان الوقت لأن اكتفي بالأبحاث التي عملتها". لذلك كلمت البروفيسور بانيان في التليفون و الحقيقة أن الرجل بدا لطيفاً معي حتى قبل أن اتحدث معه. قلت له :"بروفيسور بانيان، فلننسى الماضي ، و انا اعتذر اذا كنت قد سببت لك بعض المضايقات ، و لكن انا الآن اقبل و ارحب أن ينتقل الجهاز الياباني الى مستشفى كاستل فرانكو و ان تستعمله جامعة بادوفا، بدون مشاركتي، فأنا قد اكتفيت الآن بما عملته من ابحاث". شكرني الرجل و فرح بقراري. و كلم في نفس اليوم رئيس قسم معامل مستشفى مونتيبللونا و اخبره بما قلته له، و لكن المفاجأة أن رئيس قسم المعامل رفض نقل الجهاز الى كاستل فرانكو رغم أن المستشفيين يتبعان منطقة طبية واحدة.

قال رئيس قسم المعامل المونتيبللوني ان الجهاز هو "بتاعه"، و انه سوف يستخدمه في التحاليل الروتينية ، و كان هذا غير ممكن تكنيكياً بالطبع، أو على الأقل من ناحية فهمي انا. و اصر على رأيه، و اشتكى لطوب الارض من أن الأساتذة الجامعيين يحتقرون أطباء المستشفيات العامة و "يكوشون" على كل حاجة. انا بالطبع حافظت على أن أكون خارج هذا الصراع و اهتممت بعملي السريري فقط، و بدأت لهفة عمل الابحاث الطبية تفارقني ببطء حتى اختفت تمامًا.

و أخيرًا انتهى هذا الصراع بفوز رئيس قسم معامل مونتيبللونا و الذي احتفظ بالجهاز في معامله و لكنه لم يفعل به شيئًا و لا ادري اذا كان هذا الجهاز ما زال موجوداً في مستشفى مونتيبللونا ام رموه في المخلفات.

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 06:56 مـ
18 شوال 1445 هـ 26 أبريل 2024 م
مصر
الفجر 03:43
الشروق 05:17
الظهر 11:53
العصر 15:29
المغرب 18:29
العشاء 19:52