دكتور خاطر الشافعى يكتب ...فوضى المفاهيم .. وماذا بعد الهرج؟!


ثمة قوى خفية تتكالب على رؤوس الحروف، تضغطها بقسوة؛ لتمنعها من معانقة السطور، وكأنه مكتوبٌ على المعنى دوام الأسْرِ في بطن حامله؛ فلا هو تفادى الاصطدام بالفكرة فأخرَجَها للنور، ولا هو دفَنَها فجعل مُستقرَّها القبور، وبين وريقات فتور الفكرة الشاحبة كما اللحظة، أَوْدع الرجل حروفَه المكسورة؛ آملاً في بزوغ المعنى ذات صباح!
ووسط صياح الأفكار انتظارًا لشمس نهارٍ يُدنيها من الوجود، تأرجح الرجل فسقطت من يمينه المحبرة، ومن يساره الأوراقُ، وبقي القلم متفرِّجًا خلف أذنه اليسرى، بينما كانت أذنه اليمني تعاني من طنين الفكرة!
انعدام القيم هو السائد !
"ما أقسى أن تغمرك المعاني، ولا تستطيع كتابة حرف!" جملةٌ تذكَّرها الرجل وهو يجاهد همَّ اللحظة، فأمسك بقلمه مع أول شعاع للصباح وألقاه في عين الشمس، ثم صاح متوسِّلاً:
أيتها الحروف الثكلى، اكتبيني!
تلفَّتَت بحِرْصٍ شديد، باحثةً عن مصدر الصوت الحزين، ثم صاحت مستغربةً:
كيف أكتبك وأنت مالك يميني واليسار؟!
كيف أكتبك وقد تأرجحتَ؛ فسقطتْ محبرتك، وضاعت أوراقك؟!
كيف أكتبك وقد أرهقتَني فِكرًا؟!
كيف أكتبك وقد أضنيتَني بحثًا؟!
طاشت الأحلام، وكثُر اللئام، وغُمِدت في قلب الحقيقة ما لا نهاية من السهام، واعتلى منابرَ الحقيقة الكاذبون وصانعو الأوهام، وسالت دماءُ القِيَم على جِدران الزيف والتضليل والغش والتدليس والبُهتان؛ فقد حدثت الغفلة، فحدِّث ولا حَرَج عن خفاء الحلال، وتبدُّل الأدوار، والتباس المفاهيم، واختلاط الرؤى، وحدِّث ولا حَرَج عن اضطرابات الفِكْر والسلوك، ومظاهر الغفلة القميئة تُخرِج لسانَها وتَصُبُّ مِلْحَها على جراحنا، فلا نحن بَرَأنا، ولا نحن تبرَّأنا !
وكثيرة هي المدارات والمتناقضات!
إنه وسط ما نعيشه نرى صورًا متباينة من الأفعال وردودها، فلم يعُدْ للمدارات نسقٌ يميزها، فما كنا نحسبه يطير بجناحين قد لا يرقى لأن يسيرَ على أربع، وما كنا نحسبه يسير على (قضيبين) قد لا يرقى إلا للسير على (حبال السيرك)!
أزمة خطيرة تعيشها (الأخلاق) في ظل فوضى المفاهيم .. فماذا بعد الهرج ؟!