عم محمد النايلي: حمام الزيتونة ”أحفادي”..وأطعمهم يوميًا منذ 32 عامًا
خالد الخليصى المصريين بالخارجأ.ش.أ
بجسده النحيف وبملابسه المهندمة، يقطع محمد النايلي صاحب السبعين عاما بسيارته القديمة، ما يقرب من عشرة كيلومترات يوميا من منزله بمنطقة "أريانة" وحتى مسجد الزيتونة الشهير بوسط العاصمة تونس، حاملا العديد من أكياس الحبوب لإطعام أسراب الحمام المقيم داخل الساحة المفتوحة بالمسجد.
فما أن تطأ قدماه ساحة المسجد، حتى يبدأ الحمام في التطاير نحوه والتراقص حوله، ليشرع "عم محمد" في فتح الأكياس وتقديم الحبوب لأسراب الحمام في طقس يومي اعتاد عليه منذ 32 عاما .
"هم أحفادي" .. بهذه العباره بدأ "عم محمد" حديثه لوكالة أنباء الشرق الأوسط قائلا : رزقني الله ببنت وحيدة، تزوحت منذ 15 عاما، ولكنها لم تنجب حتى الآن، وكنت أحلم بأن يكون لي أحفاد، ولذلك اعتبر هذه الأسراب من الحمام جميعهم أحفادي، وأحرص يوميا على إحضار الحبوب لهم منذ عام 1990، ولذلك فهم ينتظرونني كل يوم في نفس الموعد تقريبا قبل غروب الشمس، ولا استطيع أن أتأخر عنهم إلا لظروف قهرية حال سفري أو مرضي.
وأضاف النايلي أن علاقته بمسجد الزيتونة بدأت منذ أن كان طفلا لم يتعد عمره الخمس سنوات، حيث كان يصطحبه والده معه في أوقات الصلاة.
وقال: "نشأت وتربيت داخل هذا المسجد، ولذلك ارتبطت به كثيرا وبالعاملين به وبالمصلين أيضا، ولكن علاقتي الأقوى وارتباطي الأشد مع الحمام الساكن داخل أروقته".
وعن التكلفة المادية التي يتكبدها يوميا لشراء هذه الكيمات من الحبوب، يقول النايلي إنه يمتلك ورشة لأعمال الحدادة، ورغم تقدم عمره إلا أنه مازال يستطيع القيام بأعمالها بنفسه رغم مشقتها، ولذلك فهو يؤمن بأن الله منحه هذه الصحة حتى يتمكن من كسب قوت يومه، وإنفاق جزء من هذا الرزق لإطعام حمام الزيتونة .
ويقطع "عم محمد" حديثه متوجها إلى بعض الصبية أثناء محاولتهم اصطياد الحمام المنهمك في تناول الحبوب، طالبا بكل رفق الابتعاد عن أسراب الحمام، ويعود ليستكمل حديثه مع تقديم آخر كيس من الحبوب قائلا: "للأسف هناك بعض الصبية يأتون لاصطياد الحمام أثناء قيامي بإطعامه، ولذلك فأنا أتولي إطعامهم، وفي نفس الوقت حمايتهم من عبث بعض الصبية".
وما أن ينتهي "عم محمد" من تفريغ كافة أكياس الحبوب، حتى يعود الحمام إلى مساكنه بطانا، ويغدو هو إلى منزله خماصا، عاقدا النية على العودة في اليوم التالي لممارسة طقسه اليومي مع حمام الزيتونة.