الاعلامية دينا شرف الدين تكتب ”عظمة”علي ”عظمة”


لا أبالغ عندما أقول أنني سأظل منبهرة بعظمة أجدادي المصريين القدماء ،
فقد نشأت كغيري من مواطني مصر علي حب بلادي و الإنحياز لها و لتاريخها ، و الذي كانت نتيجته التي تخصني تحديداً ، هي شغفي بالتاريخ و حبي لمعرفته و محاولاتي الدائمة للربط بين حقبه و أحداثه الطويلة جداً ،و التي تمتد لآلاف السنوات ،
و علي الرغم من عشقي للتاريخ المصري القديم و فخري بما خلفه من آثار عظيمة خالدة لا مثيل لها بأي أرض أخري ، فلم يسعدني الحظ بزيارة آثار الأقصر التي أحفظها شفهياً و من خلال الأفلام الوثائقية و غيرها دون أن أراها رؤيا العين، و إن كنت قد سافرت الأقصر و أسوان بزيارات أخري في مناسبات مختلفة .
و كما هو معروف ، أنه من سمع ليس كمن رأي؛
فقد انتويت هذا العام ألا تفوتني التوقيتات المناخية المناسبة للزيارة كما حدث من قبل سنوات و سنوات ، لم أتمكن فيها من ضبط التوقيت ، و قد أسعدني الحظ و لم تسرقني دوامة الإنشغالات ، لأزور المناطق الأثرية بمدينة الأقصر و علي رأسها معبد الكرنك و مقابر البر الغربي بوادي الملوك ووادي الملكات و قرية العمال ،
- و قد كانت المفاجأة:
فقد تأكدت أن كل ما أعرفه عن عظمة مصر و المصريين من تفاصيل ، ما هي إلا قليل منها ،
فما كل هذه العبقرية و هذا التقدم و التمكن ؟
و ما هذه البراعة الهندسية و المعمارية و الفنية التي لا يمكن تنفيذها اليوم بهذه الدقة إلا من خلال أجهزة الكمبيوتر المتقدمة و الطبعات الضوئية ذات التقنيات الحديثة،
فكيف لهذا المهندس و الفنان أو حتي العامل المصري أن تخرج يداه هذه الدرجة من الدقة دون غلطة واحدة و كأنها أحدث أجهزة الطباعة للصور و الألوان و الرسومات،
أما عن الألوان:
فلم أصدق عيناي ، أن هذه الألوان الناصعة الجميلة المتناسقة بداخل المقابر كافة ، باقية بهذا الشكل لآلاف السنوات.
كما لم أصدق عيناي ،و لم يستوعب عقلي ، أن هؤلاء العظماء قد فطنوا أنه ربما يكون هناك من يود محو آثار حضارتهم التي قادت الدنيا و أخرجتها للنور و كان لها السبق و الريادة في كل ما وصلت إليه الأمم من تقدم ، فنقشوا بالحفر كافة تفاصيل تاريخهم الطويل و تعاليمهم و آلهتهم و صلواتهم و عاداتهم و أشكالهم و ملابسهم و حليهم و تفاصيل حياتهم اليومية و معاركهم الشهيرة و الإنتصار علي أعدائهم ، و لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا و دونوها و من ثم تفننوا باخفائها عن أعين اللصوص و الأعداء ، في محاولة ذكية تليق بهذا الشموخ و هذه العظمة ، و التي كانت نتيجتها أننا وجدناها و عرفناها رغم الإستنزاف الذي نال منها منذ ذاك الحين و حتي يومنا هذا دون انقطاع،
ما يؤكد لنا أنها لا تنضب و لا تكف عن الظهور كما لو كانت حية تتكاثر و تتوالد ما دامت الحياة الدنيا.
فقد تزينت معظم ميادين العالم بالمسلات المصرية و اكتظت متاحفه بالقطع الأثرية المصرية ، تلك التي نالت منها أطماع المستعمرين واحداً تلو الآخر ، ليغترف منها و يوزع علي الأحبة و الأصدقاء كما لو كانت تركة ورثها ، فضلاً عن لصوص الآثار و فطاحل تجاره الذين قامت ثرواتهم و تضخمت علي سرقة و بيع تاريخ بلادهم لمن يدفع ،
-و الأدهي من كل ذلك:
ما استمعت إليه من حديث لمدير الآثار بالبر الغربي ، و الذي صدمني بقوله ، أنه حتي منتصف الثمانينات كانت هناك شرعية لتجارة الآثار و رخصة رسمية لتجارها ، قبل أن يتم تجريمها و محاربتها'
ما يعني أنه منذ آلاف السنوات و حتي منتصف الثمانينات كانت الآثار المصرية العظيمة ، مباحة و مستباحة و مستنزفة من الداخل و الخارج.
و حتي بعد تجريم تجارة الآثار ، ما زال التجار يعملون بالخفاء لتستمر عمليات الإستنزاف دون انقطاع ،
و من ناحية أخرى تستمر عمليات اكتشاف المزيد من الكنوز و القطع الأثرية و التماثيل العملاقة المدفونة تحت الأراضي المصرية كلها ، لتمتد الي ثلاث طبقات من الأرض لم يكتشف ما تخبئه بعد.
حيث شاهدت بطريقي لوادي الملوك ، منطقة شاسعة مكتظة بالتماثيل الكبيرة بعضها سيلم و البعض الآخر قد كسرت منه أجزاء صغيرة ، و عندما سألت ، علمت أنه اكتشاف كبير لعدد من القطع الاثرية منذ ثلاثة أشهر، كما علمت أنه جار البحث و التنقيب عن مقبرة نفرتيتي الآن ،
و ما زال البحث عن مقابر أجدادنا العظماء التي أخفوها بحكمتهم و رؤيتهم التي سبقت الدنيا مستمر ، و ما زالت أطماع الكثيرين في الآثار المصرية حلم يراودهم آناء الليل و أطراف النهار ، و ما زالت الحضارة المصرية تفصح شيئاً فشيئ عن أسرار عظمتها.