المتحف المصري الكبير.. قصة بدأت من أروقة ”الجمهورية” عام 1990 بقلم أحمد شحاته
تعددت الروايات حول قصة المتحف المصري الكبير الذي تحتفل مصر والعالم غداً السبت، الأول من نوفمبر، بتدشينه رسميًا، بين من يقول إن الفكرة تعود إلى خبير إيطالي عام 1993، ومن يؤكد أنها انطلقت مع بداية الألفية الجديدة. لكن الحقيقة – التي لم تُرو من قبل – بدأت قبل ذلك بسنوات، وتحديدًا يوم السبت 28 يوليو 1990، داخل أروقة صحيفة “الجمهورية”.
في ذلك اليوم دخل علينا الأستاذ ناجي قمحة، مدير تحرير الصحيفة، إلى القسم الخارجي، وفي يده مجلة "تايم" الأمريكية. وبعد أن حيّا الأستاذة أميمة أبو النصر، رئيسة القسم، قال لها مبتسمًا: “نريد أحمد في مهمة خاصة”. لم أتردد، خاصة حين علمت أن الأستاذ محفوظ الأنصاري اختارني شخصيًا لترجمة موضوع غلاف المجلة.
فرحت في البداية، لكن فرحتي لم تدم طويلًا حين اكتشفت أن الموضوع يمتد على ست صفحات، والمطلوب تسليمه في الثامنة من صباح اليوم التالي. قلت للأستاذ ناجي: “يا أستاذي، مستحيل الثامنة صباحًا!”، فردّ بابتسامة حازمة: “روح للأستاذ محفوظ وتفاهم معاه”.
دخلت مكتب الأستاذ محفوظ الأنصاري – وكان قمة في الأدب والهدوء – فقلت له إن الموعد صعب، لكنه أصرّ على الساعة الثامنة، مضيفًا: “مافيش تأخير دقيقة”. فطلبت ساعتين فقط، فوعدته أن أُنجز العمل قبل العاشرة صباحًا.
اقرأ أيضاً
الشوارع تتزين لاستقبال قادة العالم.. استعدادات مكثفة لافتتاح المتحف المصري الكبير
سفير مصر بطوكيو يشيد بمستوى المشاركة اليابانية غير المسبوق في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير
سفير مصر في لندن: المتحف المصري الكبير يُعزز مكانة المتاحف العالمية ويُبرز عظمة الحضارة المصرية
زاهي حواس: المتحف المصري الكبير جوهرة تُنير ثقافة العالم.. وسعادتي اليوم لا توصف
الرئيس السيسي: من أرض مصر الطيبة مهد الحضارة الإنسانية أرحب بضيوفنا لنشهد سويًا افتتاح المتحف المصري الكبير
التعليم العالي: الجامعات والمعاهد المصرية تستعد لتنفيذ برامج تعريفية وثقافية احتفالًا بافتتاح المتحف المصري الكبير
الرئيس السيسى يشهد غدًا افتتاح المتحف المصري الكبير بمشاركة 79 وفدًا رسميًا
افتتاح المتحف المصري الكبير.. عرض عالمي لتاريخ مصر وحضارتها
اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي يبث افتتاح المتحف المصري الكبير إلى 56 دولة
رياضيون من مصر وخارجها عن افتتاح المتحف المصري الكبير: يعكس مكانة مصر الحضارية والتاريخية أمام العالم
وزارة الثقافة تحتفل بافتتاح المتحف المصري الكبير بفعاليات ممتدة طوال الشهر
المتحف المصري الكبير... حين تنهض الهوية من أعماق الوعي الجمعي بقلم: بهجت العبيدي
عدت إلى منزلي في مدينة 15 مايو، وبدأت العمل على الفور. ظللت أترجم وأصيغ حتى أنجزت أكثر من 80% من الموضوع قبل أن أخلد إلى قسط من الراحة. مع فجر اليوم التالي واصلت العمل حتى التاسعة والنصف صباحًا، ثم حملت الترجمة وتوجهت إلى الجريدة.
عندما دخلت مكتب الأستاذ محفوظ، قال لي ضاحكًا: “أنا قلت الساعة تمانية، وأنت طلبت ساعتين، وكمان متأخر ساعة!”، فرددت: “لكن الموضوع جاهز يا ريس!”. ابتسم وقال: “كنت عارف إنك هتنجزها”، وضحكنا جميعًا.
وفي اليوم التالي، 30 يوليو 1990، فوجئت بالموضوع منشورًا في الصفحة الثالثة على ستة أعمدة بعنوان “أبو الهول يصرخ في أحفاده.. غطّوني بالرمال” وكان المقال يتحدث عن الإهمال الذي تعانيه الآثار المصرية، وإلى جواره مقالة للأستاذ محفوظ الأنصاري نفسه.
لم تمضِ ساعات حتى استدعاني الأستاذ محفوظ إلى مكتبه. هنأني على الصدى الكبير الذي أحدثه الموضوع، وقال لي:
“الوزير فاروق حسني هييجي بكرة بنفسه يرد على كل اللي اتنشر، وهيفجر مفاجأة كبيرة.”
حضرت في اليوم التالي إلى الجريدة، وكان في مكتب الأستاذ محفوظ الوزير فاروق حسني، وإلى جانبه عدد من كبار الصحفيين، من بينهم محمد أبو الحديد وسعد هجرس. قال محفوظ الأنصاري مبتسمًا وهو يشير نحوي: “هو ده أحمد شحاتة سبب المشكلة يا معالي الوزير”.
ردّ الوزير قائلًا لي “لما تحب تنشر موضوعات زي دي، كلّمني وأنا أجاوبك.” فأجبته بهدوء: “يا معالي الوزير، الموضوع كان على غلاف التايم، وفيه آراء خطيرة عن الآثار المصرية، فترجمته وسلمته للتحرير، وإدارة التحرير هي المسؤولة عن النشر. وفرصة سعيدة إن معاليك تجاوبت وهتوضح الحقائق”.. فابتسم الوزير وقال: “مش بس هأوضح الحقائق، أنا هفجّر مفاجأة”. ثم أعلن عنها في ختام حديثه قائلاً: “حفاظًا على الآثار المصرية، ستقوم الدولة بإنشاء المتحف المصري الكبير.”
نُشر الحوار في عدد الخميس 2 أغسطس 1990، وهو اليوم الذي شهد غزو الكويت، ما جعل خبر المتحف يمرّ بهدوء وسط عاصفة الأحداث. اتصلت صباحًا بالجريدة للاستفسار عن تطورات الغزو، فقيل لي: “تعالى فورًا”، وهكذا دخلنا جميعًا في قلب الأزمة التي غطّت على كل ما عداها، ودخلت فكرة المتحف المصري الكبير عالم النسيان.
لكن اليوم، وبعد 35 عامًا، عادت تلك الفكرة التي وُلدت من رحم حوار صحفي بسيط لتصبح حقيقة ماثلة أمام العالم.
يحتضن المتحف المصري الكبير أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف العصور المصرية القديمة، من بينها كنوز الملك توت عنخ آمون كاملةً، المكونة من 5398 قطعة، وهي من أندر المجموعات الأثرية في العالم.
وهكذا، من مقالة بعنوان “أبو الهول يصرخ في أحفاده”، وُلد حلم المتحف المصري الكبير، ليصبح اليوم أكبر متحف أثري في العالم، شاهداً على أن الصحافة ليست فقط ناقلةً للأحداث، بل قد تكون الشرارة الأولى التي تُشعل مشروعات خالدة في ذاكرة الإنسانية.


















