إزهار في زمن الكورونا

بقلم : د.محمد المليجي  

تدهشك بعض النباتات أحيانًا بتصرفاتها حين تختار موعدًا للإزهار في توقيت مختلف عن جيرانها وكأنها تحب أن تنفرد بالجمال. هذه النباتات مثلًا أزهرت فجأة بعد أن تخلت كل جيرانها عن أزهارها ولا بد أن يجعلك هذا تقف لها وتحييها. 

فهي شجيرات فريدة وقليلة أمام أحد المنازل المتاخمة للغابة في الطرف البعيد من التجمع السكني قررت أن تزهر  الآن وتقيم حفل خاص بها.

بدأنا نلتقط انفاسنا وبدأت الحياة تعود تدريجيًا لطبيعتها ولكنها لن تعود أبدًا إلى ماكانت عليه قبل جائحة الكورونا. 
ليس أمامنا إلا أن نمارس رياضة المشي حول بيوتنا وننتظر فرج الله القريب بعد أن انخفض عددٍ المتوفين يوميًا في نيوجرسي ونيويورك إلى العشرات وعدد المصابين لأقل من خمسمائة في اليوم، ولكن الفيروس ترك خلفه أربعين ألف أسرة تقريبًا مكلومة بفقد واحد أو أكثر في كلتا الولايتين. 

والآن تعود الحياة بطيئة وكئيبة أحيانا لأن الفيروس مازال يحصد الأرواح في الولايات الأخري ولا مجال للاسترخاء فالحرص مطلوب وسيظل يحكم حياتنا حتى تنتهي الغمة. 

لا يعرف أحد متى ستفتح المطارات ومتى ستستطيع زيارة طبيبك إن احتجت له ولا متى ستقابل ابنك أو ابنتك الموجودين في ولاية اخري. 

من الصعب الشعور بالسعادة كاملة ومازال الوباء يحصد في أرواح البشر وخاصة في دول مثل البرازيل والمكسيك التى ساهمت حكوماتها في كوارث بشرية لا يعلم مداها إلا الله ، فقد استهان رؤساء تلك الدول بأهمية فيروس الكورونا واقترح بعضهم وصفات بلدية للقضاء على الفيروس وصدقتهم شعوبهم والآن تنشغل الحفارات بحفر المقابر الجماعية لدفن الموتي بالآلاف كل يوم. 

في امريكا نفسها  لم يشفوا البشر من كارثة الكورونا بعد حتى يدخلوا في كارثة من نوع آخر مزمن عمرها أربعمائة عام وهي العنصرية المقيتة. وضع ظابط شرطه ركبته على عنق رجل أسود مكبل لمدة تسع دقائق رغم استغاثة الرجل أمام الكاميرات حتى قتله. 

اشتعلت مدينة منيابوليس الجميلة بالحرائق وتكسير ونهب المتاجر وقد تمتد ثورة السود والملونين إلى ولايات أخري إذا لم يتم احتواء المشكلة. 

لم تعد مشكلة فيروس الكورونا في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب عدم توفر الإمكانيات ولا المستشفيات بل لأن الناس قرروا الخروج وليكن ما يكون والذين يقودون هذا الإتجاه هم الرئيس ترمب نفسه وأصحاب الاعمال الحرة والأصحاء الذين يؤمنون بأن الفيروس لا يقتل إلا اصحاب الأمراض المزمنة. 

الحياة الجديدة التى نحياها في الولايات التى تخلصت من الفيروس مؤقتًا هي أن لا تدخل متجر ولا يسمح لك بالتسوق إلا بالكمامة ويجب أن تحافظ على مسافة مترين تقريبًا بينك وبين الآخر في كل تعامل وقد تهيأت المتاجر لذلك حيث رسمت على الأرض أسهم وخطوط توجه سيرك وتوقفك وأن تطهر يديك وحاجياتك بصورة دائمة.  

أصبحنا نخاف بل نبتعد تمامًا عن السفر وعن المطاعم وعن الحفلات والتجمعات بكل صورها، هذه هي الحياة الطبيعية الجديدة  New Normal التى نحياها.