الأمانة بقلم التميمي الحبال
كتب : التميمي الحبال
يقول رب العالمين في محكم التنزيل ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا).
هذه آية من دستور السماء والأرض، وكثرت الأسئلة حول هذه الآية وكأنها مشكلة غامضة ولغز محير عويص، والحق ليس هناك ألغاز ولا إشكال إذ كل ما فى الآية من مراد الله هو التنويه بشأن الأمانة وتعظيم قدرها، حقا أن الأمانة شأنها عظيم، وخطرها جسيم، وكيف لا تكون كذلك وقد عرضها الله على أعظم مخلوقاته من سماوات وأراضين وجبال فأبين أن يحملنها فأشفقنا منها وحملها الإنسان ولعلنا ندهش عندما نسمع أن هذه الكائنات قد رفضت تحمل هذه الأمانة وأن الذى تحملها إنما هو الإنسان.الواقع أن ذلك أمر يدعو إلى الدهشة والإستغراب، لكن إذا عرفنا ما هى الأمانة أيقنا أنه لا دهشة هنالك ولا استغراب.
فالأمانة كلمة جامعة ولفظ شامل.وأمر يتعذر القيام به على كل إنسان، اللهم إلا من رحم ربي،ومن هنا نعلم أن الإنسان هو أشقى مخلوق فى هذا الوجود، حيث قد تحمل هذه الأمانة التى أصبح من أجل تحمله لها موضع ثواب وعقاب لله، وعلى كل حال فالأمانة أم الفضائل، وسيدة الصفات ومنبع مكارم الأخلاق، أمر الله بها عباده، وحلى بها ملائكته، وجمل بها رسله، ومدح بها الأتقياء من عباده المؤمنين، (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون*والذين هم على صلواتهم يحافظون*أولئك هم الوارثون )سورة المؤمنون ١١:٨.
والأمانة بعد ذلك هى عبء الأنبياء والمرسلين، ومسئولية الزعماء والمصلحين، والتبعة الملقاة على عاتق الكفار والمسلمين، شرف الغنى وفخر الفقير، وواجب الموظف ورأس مال التاجر، وسبب شهرة الصانع، وسر نجاح العامل، عز الرجال وجمال النساء، مفتاح كل تقدم وسعادة، ومصدر كل نجاح وفلاح، لذلك أمر الله بأدائها إلى أهلها، ونهى عن الخيانة فيها ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) النساء(يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) الأنفال.
لاتظنوا أن الأمانة قاصرة على الودائع من كل غال ونفيس وثمين كالذهب والفضة والجواهر والأموات، إن الأمانة أوسع من هذا.الأمانة فى لسان الشرع هى عمل كل ما لله فيه طاعة وامتثال، واجتناب كل ما فيه لله مخالفة وعصيان، سواء كان ذلك فى عبادة لله أو معاملة الناس.
فالصلاة أمانة يجب أن تؤديها فى وقتها، مستوفية لفرائضها وأركانها وواجباتها وشروطها وسننها وآدابها، بقلب ملؤه الخشوع والخضوع، وجسم ملؤه الطمأنينة والاتزان.
روى عن الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه أنه كان إذا حضر وقت الصلاة اصفر لونه وارتعدت مفاصله وزرفت عيناه، فسئل عن ذلك فقال:(لقد حضر وقت أمانة لا أدرى أأستطيع آداءها أم لا.. ثم تلى قول الله تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) البقرة ٢٣٨.
والزكاة أمانة للفقير فى عنق الغنى يجب أن تؤدى له فى وقتها من جيد المال، طيبة بها النفس، لكى تبرأ منها الذمم، ولكى نطهر أموالنا ونزكيه، ( والذين فى أموالهم حق معلوم *للسائل والمحروم) المعارج.
الصيام أمانة لله عندك، يجب أن تصوم بكليتك إلى الله، فلا يملأ بطنك إلا الحلال، ولا يفكر عقلك إلا فى خير، ولا ينطق لسانك إلا حسنا، ولا تسمع أذنك إلا طيبا، ولا تنظر عينك إلا مباحًا، ولا تمد يدك إلا إلى إصلاح، ولا يسعى قدمك إلا إلى طاعة ومعروف، قال الصادق المصدوق ( الصيام أمانة بين العبد وربه) البخارى
الحج أمانة فى عنقك، فإذا كنت من القادرين عليه فيجب عليك إذا ما أردت الحج أن تؤدى كل ما عليك من حقوق وواجبات لله ولعباد الله، ثم انظر إلى ذلك المال الذى تحج به أهو حلا أم حرام؟، وهل جمعته من عرق جبينك أم من دماء الناس، وهل تريد الحج للرياء والسمعة والمراتب والألقاب، أو تريده ابتغاء مرضاة الله ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج) البقرة ١٩٧
وبقدر ما تكون مقصرًا فى عبادة من هذه العبادات بقدر ما تكون خائنا فى عبادتك وأمانتك.إن الإنسان مطالب بالأمانة فى كل نظرة ولفتة، فى كل إشارة وعبارة، فى كل حركة وسكون، بل ما من إنسان منا إلا وعمله أمانة لله فى عنقه.
الشعب أمانة فى يد الحاكم.
الدين أمانة فى يد العلماء.
العدل أمانة فى يد القضاة.
الحق أمانة فى يد المحامين.
الصدق أمانة فى يد الشهود.
المرضى أمانة فى يد الأطباء.
المصالح أمانة فى يد المستخدمين.
التلميذ أمانة فى يد المعلم.
الولد أمانة فى يد أبيه.
الوطن أمانة فى عنق الجميع.
(فليؤد الذى اؤتمن أمانته وليتق الله ربه) البقرة ٢٧٣
أدوا أماناتكم، واتقوا الله فى أعمالكم، أخلصوا لله قلوبكم، حتى ينظر إلينا ربنا بعين رعايته وعنايته، ويرفع عنا الغلاء والبلاء.
