الخيانة خزى وعار

كتب / التميمي الحبال 

الخائنون آثمون، حقر الله أمرهم، وصغر أقدارهم، (إن الله لا يحب الخائنون) الأنفال، الخيانة عار كبير، وشر مستطير، (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) النساء.

يأمرنا الله سبحانه وتعالى بأداء الأمانة إلى أهلها، ويطلب منا العدل فى أحكامنا، ولنعلم أننا سنقف جميعًا بين يدى الله يوم القيامة،وسنسأل عن أعمالنا فى وقت ضيق وعصيب، لا ينفع الوالد ولده، ولا يقى الإبن أباه، لا يشفع للمؤمن آن ذاك إلا مافعله من الخير ومقدمه من المعروف،لا ينفعه إلا كلمة طيبة قالها أو صدقة مخلصة أخرجها، أو صلاة خاشعة صلاها، فإن كان من أهل الأمانة كتبه الله من السعداء، وشفع فيه خاتم الأنبياء، وإن كان ممن خان أمانته لعنه الله وأبعده، وطرده من جنته وعذبه، لأنه تعالي لا يحب الخائنين، (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما) النساء؛ ولكن... هل أدى كل إنسان أمانته التى أمره الله بأدائها؟ إننا لنجد الخيانة شائعة في جميع الأوساط والطبقات، وفى كل المصالح والأعمال، نحيا بها ونعيش فيها، ومن طبقات المجتمع الخائنة:الموظف الذى أهمل مصلحته حتى بردت حرارته للعمل، وخان فى أمانته، حتى أصبح يعيش من حرام.

لو فرضنا أن لك مهمة صغيرة عند هذا الموظف ودخلت عليه فى عمله لتسأله عنها، نأى بجانبه عنك، وقطب وجهه منك، وصعر خده فيك،وتظاهر بالغباوة والبله، وهيمنت عليه البلاد والجود، وأخذ يتشاغل عنك بطرق واهية بالية، فإذا ألححت عليه فى السؤال، وقدر له أن يتنازل ويجيبك... أجابك فى سماجة وبرود، إن مهمتك عسيرة ومصلحتك معقدة، وموضوع من المستحيل قضاؤه وإتمامه، وهو فى أثناء ذلك يتخنث فى كلامه ويتكسر فى حركاته، ويتشبه بالعظماء والأمراء. ( كالقط يحكى انتفافضا صورة الأسد) وهو يفعل ذلك لا عن عزة منه، ولا عن كبرياء فيه، ولبه يفعل ذلك بدافع الخسة الندالة والدناءة، يفعل ذلك من أجل أن تدفع له على واجبه أجرًا وثمنا وجزاء، ولو اشتم نفس الموظف رائحة الرشوة: يسر لك كل عسير، وحل لك كل معقود، وجوز لك كل مستحيل، وقام يمشى أمامك ووراءك ويحمحم عن يمينك وشمالك، كما يحمحم الكلب إذا اشتم رائحة جيفة أو عظام.

هل نسى الغبى الدنياء أن ذلك واجبه وعمله المكلف به، ويتقاضى عليه راتبه، يجب أن يؤديه للعدو والصديق، والغنى والفقير،..هل نسى أن ذلك طعن فى شرفه وخيانة لدينه، وهل نسى أنه يتقاضى أجرًا عن عمله؟

ظلموا الرعية واستباحوا ظلمها

ونسوا مصالحها وهم أجراؤها

وإذا تحدثت عن التاجر وجدت خيانة ظاهرة سافرة، ووقاحة مكشوفة ووجدت التاجر هو الفاجر المجرم والخاسر الملعون، أولئك الذين هيمن عليهم الشره والجشع، وسيطر عليهم الحرص والطمع، وأصبحوا يعيشوا من دماء الناس، كما يعيش الق والأكل والبعوض، ينغصون على الناس عيشهم، ويدرون عليهم صفوهم، يحبون الحرب والغلاء، ويكرهون السلم والرخاء.

إن نزل السوق جنيها لا يظهرون منه مليمًا، وإن زاد فى السوق مليم ، أظهروا فيه مئات الجنيهات هم كالذباب يأكل ولا يشبع لأنه نهم حريص، وهم بعد ذلك لا يتكلمون كلمة، إلا ويشفعونها بطلاق مثلث، أو بيمين مغلظ، لا بأس عندهم بكثرة الإيمان ما دامت ستجلب لهم المال الكثير، والربح الوفير. (اتخذوا إيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين) المجادلة.

أما الصناع والعمال فهى طائفة ألعن من أختها، وفئة أرذل من سابقتها، وجدت غشا فى المصنعة، وتزييفا فى المواد، وبطأ فى العمل والأداء، ومبالغ فى الأجرة، وخلفا للمواعيد، (أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرًا) النساء.

ولو تركنا المجتمع إلى حياتنا الخاصة وجدنا حياة مريرة شائكة، وجدنا إخوانا فسقة، وأصدقاء خونة، وجيرانا لئامًا، يتبعون العورات، ويعددون الهفوات، إن رأوا منك خيرًا كتموه، وإن رأوا منك شرًا أذاعوه، يفسدون عليك الزوجة والبنت ويؤلبون عليك الأهل والأصحاب.

بمن يثق الإنسان فيما ينويه

ومن أين للحر الكريم صحاب

وقد صار هذا الناس إلا أقلهم

ذئابًا على أجسادهن ثياب

إن الخيانة داء وبيل، وشر مستطير، إن سلم صاحبها فى الدنيا، فقلما يسلم فى الآخرة، و إن نجا من ورطة فقلما ينجو مما بعدها، وإن نجا من الضعيف فلن ينجو من القوى، و إن نجا من الإنسان فلا.. ولن ينجو من الله (إن ربك لبالمرصاد) الفجر.

أخلق بمن رضى الخيانة شيمة

أن لا يرى إلا صريع حوادث

ما زالت الأيام تنزل بؤسها

أبدا بغادر ذمة أوناكث

ذلك حق لا ريب فيه.

أما رأينا موظفين، كانت تعلوا وتعنوا لعظمتهم الوجوه، فأصبحوا وقد أخرجوا من مناصبهم ووظائفهم، نتيجة للخيانة حقيرة.

وكثيرًا ما رأينا تجارًا كانوا يفتخرون بثروتهم قارون، فأصبحوا لا ترى منهم إلا مساكنهم،. وكثيرًا ما رأينا صناعا كانوا مضربًا للمثل فى الدقة والإتقان فأصبحوا وقد نزلت بصنعتهم البوار والكساد.

وكثيرًا ما رأينا أصدقاء كان يعزهم الإنسان أكثر من نفسه، أصبحوا وقد نبذهم إخوانهم نبذ النواة، نتيجة الخيانة أو لطبع لئيم، (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له).