في استراحة الجمعة محسن طاحون يكتب عن "الصديق"

تأثرت كثيراً لفقدان أحد الأصدقاء الغاليين ..كان نبعاً للأخوة والاخلاص، ملتزماً بدينه وقوي في إيمانه، صادق الوعد .. طيب الحديث .. متميزاً في عمله... وعلماً لبلده مصر في مكانه، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. 

من هنا وجدت أن نسلط الضوء على معنى الصداقة وقيمة الصداقة وأهميتها في حياة كلنا منا، الصديق الحقيقي هو من يفهمك بلا كلمات ، و يصدّقك بلا أدلة ، وينصحك بدون أغراض ، ويحبك بدون أسباب ، ويعرفك بدون مصالح ، وهو الذي يظن بك الظن الحسن ، وإذا أخطأت بحقه يلتمس العذر ويقول في نفسه لعله لم يقصد ، وهو الذي يرفع شأنك بين الناس ، وتفتخر بصداقته، ولا تخجل من مصاحبته والسير معه. 

الصديق هو الذي تذهب له وأنت تجرّ نفسك وبصحبتك همومك وعلى ظهرك أوزانُ ثقيلة ..وتعود منه وأنت خفيف كأنك لا تحملُ إلا قلبهُ معك، وهو الذي يفرح إذا إحتجت إليه و يسرع لخدمتك دون مقابل ويبشرك بإتمام حاجتك دون أن تعاود الاستفسار منه. 

صديقك هو الذي مهما طال الغياب لظروف الحياة ومهما شغلتك الدنيا عن اجتماعياتك لا يتغير بطريقة كلامه ، بضحكته ، بحبه لك، وهو الذي يرعاك في أهلك ومالك وولدك وعرضك كالاخ الذي ولادته أمك .. وهو من إذ لم يستطع رفعك لا يسمح بسقوطك.

ليست الصداقة أن تبقى مع الصديق وقتاً أطول ولكن أن تبقى على العهد وإن طالت المسافات ومهما أخذتكم مشاغل الحياة، فالصداقة الحقيقية كزهرة البيضاء التي تنبت في القلب وتتفتح في القلب مع مرور الايام ولاتذبل بل تزداد تفتحاً بالمواقف الجميلة بينكم إذ تجده معك في السراء والضراء وفي الحزن قبل الفرح وفي الضيق قبل السعة. 

وفي الصداقة يقول الشاعر :

والله ما طلعت شمس قوم و لا غربت .. 

إلا وحبك مقروناً بأنفاسي..

ولا جلست إلى قوم أحدثهم .. 

إلا وأنت حديثي بين جلاسي ..

وقال الامام الشافعي :

إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً ..

فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا

فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ..

 وَفي القَلبِ صَبرٌ لِلحَبيبِ وَلَو جَفا

فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ ..

وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا

إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً ..

فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا

وَلا خَيرَ في خِلٍّ يَخونُ خَليلَهُ ..

وَيَلقاهُ مِن بَعدِ المَوَدَّةِ بِالجَفا

وَيُنكِرُ عَيشاً قَد تَقادَمَ عَهدُهُ ..

وَيُظهِرُ سِرّاً كانَ بِالأَمسِ قَد خَفا

سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِه ..

صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفًا

محسن طاحون