بعد مرور 92 عاما على إنشاءات الري.. كيف شق المهندس المصري الجبال لعبور مياه النيل؟
حتى عصرنا الحالي تظل ترعتا الفاروقية والفؤادية في شمال الصعيد اللتان يراهما المسافر عبر الصعيد ، من أهم إنجازات الري، حيث وصفت مصر بأنها بلد المهندس، ذلك المهندس الذي شق الصخور والجبال لإيصال نهر النيل والتحكم فيه ولجم عنفوانه ومعرفة مناسيب ومقياس نهر النيل .
كيف شق المهندس المصري الجبال لعبور مياه النيل
بعد إنشاء قناطر نجع حمادي بقنا 1928م، والذي كان الغرض منها ري مساحات شاسعة من أراضي الوجه القبلي، التي لا تصلها المياه والتي كانت محرومة من وسائل الري المنتظمة، قررت وزارة الأشغال حفر ترعتين تستمدان الماء من هذه القناطر إحدهما غرب النيل وهي " ترعة الفؤادية " و الأخرى بشرق النيل "ترعة الفاروقية، وكان العمل بهما في في بدايات ثلاثينيات القرن الماضي وتم الانتهاء منهما عام 1932م كما تقول لوحة التأسيس المتواجدة حتى الآن.
تقول مذكرة المهندس المصري أحمد خير الدين مدير تفتيش تحويل ري الحياض، والمنشورة عام 1936م بعنوان "تحويل حياض مركز أخميم "، إن انخفاض فيضان نهر النيل عام 1913 سبب أزمة حقيقية في الصعيد وخاصة في سوهاج وأسيوط، حيث أدى إلي تبوير وإتلاف مقدار 26 ألف و800 فدان وخسارة مالية تقدر بـ 3 ملايين جنيه، فيما أنقذت قناطر إسنا جنوب الصعيد .
وأضاف خير الدين في المذكرة النادرة التي تنشرها "بوابة الأهرام"، تزامنًا مع مرور 92 سنة على الإنشاءات التي تم وصفها آنذاك بأنها من أهم أعمال المهندسيين المصريين في الري، أن انخفاض فيضان النيل هو الذي جعل الحكومة تقرر إنشاء قناطر نجع حمادي، ومعها ترع تسيران من خلال قناطر نجع حمادي لري أراضي مديرتي جرجا وأسيوط، مؤكدًا أن الغرض الأساسي من هذه المشاريع هو درء الفيضانات المنخفضة والري النيلي لحياض المديرتين جرجا وأسيوط وذلك بعد إنشاء خزان جبل الأولياء بالسودان، وتعلية خزان أسوان والبدء في تنفيذ مشروع تحويل الري من حيضي لدائم.
واجه العاملون في حفر الترع الفاروقية والفؤادية صعوبات كثيرة إذ اعترضتهم طبقة من الصخر طولها حوالى 3 كيلو مترات، كما اعترضهم جبل الأحايوة، حيث إن الأراضى المراد زراعتها تقع خلف هذا الجبل مما جعلهم يقومون بحفر نفقا في الجبل يكون منفذًا بين طرفي الترعة الفاروقية والفؤادية.
ويضيف الباحث التاريخي إبراهيم المصري لــ"بوابة الأهرام" أنه رغم وقوع المناقصة الحكومية لتنفيذ الترعتين لشركة ألمانية، إلا أن المهندس المصري أثبت قدرته وتفوقه وهي ما تحدثت عنه الصحف التي قامت بتغطية الافتتاح، مؤكدًا أنه قبل إنشاء الفاروقية كان حياض إخميم يعتمد على ترعتي الأحايوة، التي تأخذ من النيل بحري جبل الأحايوة مباشرة، وتسير في مجراها بسحارة تحت ترعة العيساوية لتروي حوض إخميم والصوامعة، وكذلك السواحل الأخرى. أما ترعة العيساوية كانت تأخذ من النيل عند بلدة العيساوية، وتروي الجزء البحري لمركزي إخميم وبعض أجزاء من البداري بأسيوط.
وتوضح المذكرة النادرة للمهندس خير الدين الذي رصد بالصور النادرة الإنشاءات، أنه بعد إنشاء ترعة الفاروقية حلت محل ترعة الأحايوة وسارت في مجراها، وقد أنشأت لغرض تحسين حالة الري الحياض لمساحة تقدر بـ 43 ألف فدان وري إخميم والبداري ريا مستديما، مؤكدًا أن الترعة الفاروقية تمر من أمام قناطر نجع حمادي، وتمر بمنطقة صخرية تعرف بأولاد الشيخ حتى تصل إلي جبل الأحايوة، حيث تتصل بالترعة القديمة وتسير في سحارة حتى العيساوية.
وأكد خير الدين أنه من التسهيلات التي عملت لتوزيع حسن المياه ورقابة القائمين عليها إنشاء 6 بلوكات لسكن البحارة عند قناطر الحجز المهمة وربطها بمكتب مهندس المكتب وهندسة المديرية بشبكة من التليفونات مستقلة عن باقي المديريات المصارف الفرعية لأول مرة، ولعدم تعرض ترعة الفاروقية لقطع الطمي فقد تم وضع قنطرة الجلاوية في الطرف البحري كمصرف، مؤكدًا أن قصة شق العمال المصريين والمهندسين لصخور الجبال ستظل من أروع قصص التحكم في النيل والاستفادة منه.
