في استراحة الجمعة محسن طاحون يكتب عن : النميمة
النميمة ...هي داء كل العصور وهي داء خبيث يسري على الألسن فيفرق بين الناس ويهدم الأُسـر والعائلات ، ويفرق الأحبة، ويُقطع الأرحام ويعطل الحياة بافساد العلاقات ، وهي من أقبح القبائح وكثر انتشارها بين النّاس حتى ما يسلم منها إلا القليل. ..
والنميمة محرمة بإجماع المسلمين وهناك دلائل صريحة على تحريمها من الكتاب والسنة .. فقال الله تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [سورة القلم: 11]. وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة قّ: 18]. وقال عز وجل : {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [سورة الهمزة: 1].قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [سورة الأحزاب: 58].
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام» [متفق عليه].
وقال صل الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بشراركم؟» ... قالوا: بلى.
قال: «المشاؤن بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبراء العيب».
قول الرسول صل الله عليه وسلم: «من أشاع على مسلم كلمةً يشينه بها بغير حق شانه الله بها في النار يوم القيامة».
وممّا يدفع الإنسان إلى النميمة بين النّاس أسباب متعددة منها: جهل البعض بحرمة النميمة شرعاً .. ومحاولة التشفي والتنفيس عما في النفس من غلٍ وحسد وذلك بالنميمة بين الأحبة .. ومحاولة االتقليل من شأن المحسود أمام النّاس.. وتفاهة النمام حينما يقوم بمسايرة الجلساء ومجاملتهم والتقرب إليهم بخبر جديد وأمر يستمعون إليه أوالكلام عن شخص لا يروق لهم بما يشفي غلهم .. ومحاولة الدس والإضراربشخص ما كنقل كلام عنه الى من بيده سلطة فيوغر صدره تجاهه .. الاستعراض في مجالس اللهوبجلب سيرة الناس والكلام عنهم بطريقة تصير ضحك وسخري الحضوربدعوة المزح والتسلية .. وأسباب أخرى كثيرة ..
من صفات النمام قال الله تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [سورة القلم: 11-13].
ووصف القرآن الكريم النمام بتسع صفات كلها ذميمة: فهوحلاف.. كثير الحلف ولا يكثر الحلف إلاّ إنسان غير صادق يدرك أن النّاس يكذبونه ولا يثقون به فيحلف ليداري كذبه ويستجلب ثقة النّاس ، وهومهين.. لا يحترم نفسه ولا يحترم النّاس قوله ، وهوهمَّاز.. يهمز النّاس ويعيبهم بالقول والإشارة في حضورهم أوفي غيبتهم على حدٍ سواء ، وهومشاء بنميم.. يمشي بين النّاس بما يفسد قلوبهم ويقطع صلاتهم ويذهب بمودتهم ، مناع للخير.. يمنع الخير عن نفسه وعن غيره. ومعتدٍ.. متجاوز للحق والعدل ، أثيم.. يتناول المحرمات ويرتكب المعاصي ، عتل.. وهي صفة تجمع خصال القسوة والفضاضة فهوذا شخصية كريهة غير مقبولة ، وزنيم.. وهذه خاتمة صفاته. والنمام كالذبابة التي تتنقل بين الناس وتنقل لهم مايضرهم ..
ويجب علينا أن يكون لنا وقفه مع النمام فلا نصدق النمام لانه فاسق وهومردود الشهادة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ} [سورة الحجرات: من الآية 6].
وننهاه عن فعله وننصح له ونقبح عليه فعله قال الله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة لقمان: من الآية 17].
وأن لا نظن بأخونا الغائب السوء لقول الله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [سورة الحجرات: من الآية 12].
وأن لا يدفعنا ما حكي لنا على التجسس والبحث والتحقق إتباعا لقول الله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} [سورة الحجرات: من الآية 12].وأن لا نرضى لأنفسنا ما نهينا النمام عنه، ولا نحكي نميمته فنقول فلان قد حكى لي كذا وكذا، فنكون به نمامين ومغتابين ،وجدير بالذكر قول الحسن رضي الله عنه : "من نمَّ إليك نمَّ عليك"...
وقال لقمان لابنه: "يا بني أوصيك بخلال إن تمسكت بهن لم تزل سيدا: ابسط خلقك للقريب والبعيد، وأمسك جهلك عن الكريم، واحفظ إخوانك، وصل أقاربك وآمنهم من قبول قول ساع أوسماع باغ يريد فسادك ويروم خداعك، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك".
قال أحد الشعراء:
تنحَّ عن النَّمِيمَةِ واجتنبْها فإنَّ النمَّ يحبطُ كلَّ أجـرِ
يثيرُ أخوالنَّمِيمَةِ كلَّ شرٍّ ويكشفُ للخلائقِ كلَّ سرِّ
ويقتلُ نفسَه وسواه ظلمًا وليس النَّمُّ مِن أفعالِ حُرِّ
محسن طاحون
