أميرة البيطار تكتب...حسابات مجهولة الهوية


منذ أن أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لم تعد مجرد وسيلة للراحة والتواصل، بل تحولت إلى قوة لا يُستهان بها، قادرة على البناء أو الهدم، التنوير أو التضليل، الخير أو الشر. فكل شيء في الحياة له وجهان؛ استخدام طيب يُسهم في الارتقاء، وآخر سيء يجرّ إلى الانحدار. ولكن حين يتعلق الأمر بوسائل التواصل الاجتماعي، فإن الاستخدام السيء للتكنولوجيا لم يعد مجرد خطر فردي، بل بات يهدد المجتمعات بأسرها.
في فضاء الفيسبوك، نجد أنفسنا أمام ظاهرة مثيرة للقلق: حسابات مجهولة الهوية، تتخفى خلف صور مزيفة وأسماء وهمية، لكنها تملك قدرة مريبة على إشعال النيران في هشيم الرأي العام. كلمات تُلقى على عاتقها ، شائعات تُنسج ببراعة، وفتن تُبثّ بين الشعوب والبلدان دون رادع. تلك الصفحات التي لا نعرف من يقف خلفها، قد تكون فردًا عاديًا، أو جهة منظمة، ولكن النتيجة واحدة: فوضى، بلبلة، وتفكك.
لقد شاهدنا بأعيننا كيف يمكن لتعليق مجهول أو منشور مشبوه أن يشعل نار الفتنة بين أفراد من ثقافات مختلفة، أو أن يهزّ الثقة بين شعوب متجاورة. يكفي أن يُرمى اتهام جزافي أو يُحرَّف تصريح أو يُنسب قول زائف، لتتحول منصات التواصل إلى ساحات معركة افتراضية، قد تمتد آثارها إلى الواقع بأضرار لا تُحصى.
وهنا يكمن جوهر الخطورة: أن التكنولوجيا، في جوهرها، ليست خيرًا ولا شرًا، بل أداة في يد من يستخدمها. الكلمة يمكن أن تكون شفاءً أو سُمًّا، والصورة قد تبني وعيًا أو تزرع فتنة، والصوت يمكن أن يكون دعوة سلام أو سبلًا للحرب.
واجبنا اليوم، ليس فقط أن نحذر من الاستخدام السيء للتكنولوجيا، بل أن نعلّم أبناءنا وطلابنا وأجيالنا القادمة أن كل وسيلة في الحياة، مهما كانت مفيدة، يمكن أن تتحول إلى أداة مفسدة إن أُسيء استخدامها. كما يجب أن نُطالب بتشريعات صارمة للحد من نشاط الحسابات الوهمية، وبتثقيف رقمي واسع يرسّخ ثقافة المسؤولية، ويربي ضميرًا إلكترونيًا لا يقل أهمية عن الضمير الإنساني.
ففي زمنٍ صار فيه "المجهول" قادرًا على إشعال الحروب، لا بد أن يكون "الوعي" هو سلاحنا الحقيقي