اشهر مصري فى فرنسا
ا. د. محمد المليجي كنت ككل الزوار اقف فى طابور طويل فى انتظار المرور إلى قدس القداس الذي يرقد فيه مصري قديم فى متحف اللوفر بباريس. عشرات من البشر من كل الجنسيات والالوان والأعمار يقفون صامتون فى احترام كامل ومهيب انتظارا لرؤية هذا الذي يرقد فى صندوق من الزجاج وقد كتب عليه " مصري فى الاربعينات من العمر من الطبقة المتوسطة". كنت متلهفا مثل كل الزوار لمقابلة هذا المصري الذي جذب انتباه زوار متحف اللوفر الشهير اكثر من كل ملوك فرنسا وجنرالتها واكثر من كل فنانى العالم فى النحت والرسم. كنت فى لهفة شديدة لرؤيته ورؤية ملامح وجهه فقد يكون من أجدادي. وصلت مع الزوار الى الصندوق الزجاجي الذي يرقد فيه هذا المصري المجهول لأجد انها مجرد مومياء كما وجدت فى مقبرته بتل العمارنة ولم يتم فض اللفافات عنها، وبدأت افهم شيئا فشيئا لماذا يقف الخلق مبهورين والبعض منهم يتمتم بشعاير دينية وهو يطوف حول الراقد امامنا. دون ان ادرك ماذا افعل بدات اقرا له الفاتحة وسورة ياسين. شاهدت فيه عظمة المصري قديما وقداحاطت به كل ادوات عظمته وشهادات لا تكذب بمدي التقدم الذي كان فيه المصري القديم بالمقارنة بالشعوب الأخرى فى تلك الفترة من الزمن. شعرت بالعزة والعزة لله وحده بان يكون فى دمائنا بعض بقايا هذه الجينات التى صنعت هذه الحضارة. ذهلت مثل كل الناس وانا اري كيف لف وجهه وجسده بقماش الكتان بدقة وترتيب واحكام خارق للعادة. بهرتني تلك التمائم من القماش الملون التى غطي بها صدره وبطنه وقدميه وهي تشرح الحياة والموت والحساب والادعية وتعجبت مثل الجميع من جمال الالوان وثباتها طيلة هذه السنين ، ورأيت كيف نثرت حوله ادوات الجراحة المتقدمة جدا من سكاكين ومقصات والمستخدمة فى تحنيطه، والجرار التى حفظت فيها احشائه وطعامه وحاجياته الشخصية التى كان يحبها فى دنياه. هالنى اكثر من اي شيء ذلك الاحترام لرجل مصري متوسط الحال فى تجهيزه ودفنه وشعرت ان الانسان المصري كان فى تلك الفترة محترم ومكرم فى حياته ومماته بغض النظر عن حالته الاجتماعية. حاولت طفلة ان تستفسر من امها عن شيء فمدت امها يدها بسرعة لتغلق فم ابنتها فالكلام فى حضرة هذا العظيم الممدد امامنا ممنوع فى عرفهم وسحبت الأم ابنتها بعيدا وهمست فى اذنها بالاجابة. كان لا بد ان اخرج مع الخارجين من الطواف حول المومياء المصرية الأشهر فى فرنسا والتى يحرص زوار المتحف على رؤيتها مع العلم ان المتحف يحتاج ١٣ يوم لتري كل مقتنياته. ودعت اشهر مصري فى الخارج ووايقنت اننا ندين بالكثير لهؤلاء المصريين القدماء الذين صنعوا لنا تاريخ لانعرف قيمته ولا نعرف كيف نستخدمه فى اصلاح شأننا بعد آلاف السنين من التعثر.
