أطول موائد الرحمن على وجه الأرض

ا. د. محمد المليجي

اقترب شهر رمضان ويستعد البعض منا ممن انعم الله عليهم لتقديم موائد الرحمن التى قد تكون طويلة او قصيرة ولكنها تسعد الكثير من الناس الذين يفطرون بها او يمرون بها ويقولون الحمد لله ان البلد مازال بها خير  وفيها ناس طيبين. 

ولكنك ستدهش اذا ما علمت عن اكبر موائد الرحمن على الإطلاق فى هذا الكون وستدهش اكثر عندما تعرف من جنده الله للقيام بها كل عام  والتي تمد لمدة ٣-٤ أسابيع فقط فى نهاية الصيف وبداية خريف. 

مائدة الرحمن هذه تمتد لآلاف الكيلومترات على ساحل المحيط الاطلنطي الغربي وتمتد من ولايتي ماسشتيوتس ومين حتى ألاسكا فى الشمال. وهي اغني مائدة فى البروتين والدهون والفيتامينات يمكن ان تجدها فى الكون ايضا. 

أما من يقوم بعمل هذه المائدة سنوياً فهو سمك الرنجة Herring Fish الذي يقوم بعمل المائدة كل عام ليأكل منها الحيتان والأسماك بشتى أنواعها وأسراب الطيور بل وتلك المخلوقات العجيبة التى فى قاع المحيط على اعماق عشرات الاميال تسبح فى ظلام دامس ليس لها عيون ولا مصدر غني بالبروتين الى ما تجلبه لهم اسماك الرنجة كل عام

 أما كيف يحدث هذا ؟ فهو كالتالي. :

تسبح اسماك الرنجة فى شتي بقاع المحيط الاطلنطي متفرقة وفى جماعات تلتقط طعامها من العوالق النباتية وافتراس الأسماك الأصغر منها حتى يمتلأ جسمها بالبروتين والدهون وتصل الى مرحلة النضج الجنسي ومع نهاية الصيف يأتي لها نداء خفيا أينما كانت فى المحيط للتجه الى الساحل الغربي بدأ من الولايات التى تقع شمال نيويورك حتي ألاسكا فى الشمال وهناك تضع الإناث بلايين من البيض غير المخصب الممتلأ بالبروتين فتضع كل سمكة حوالى ٢٠ ألف بيضة وتكون كثافة البيض حوالى ٧ مليون بيضة فى المتر المربع. 

 

لهذا البيض خاصية عجيبة وهي وجود مادة لاصقة عليه فيلتصق ببعضه ويشكل كتل تغوص فى قاع المحيط وترسي هناك فى تجمعات كالكثبان الرملية او تتعلق بالصخور والأعشاب البحرية بحيث لا يجرفها التيار. 

 

تأتي الذكور وتطلق حيواناتها المنوية التى تشكل رغوة كالصابون تمتد على طول الساحل بمئات الاميال وتلقح البيض وهنا ينتهي دور الام والأب تماما وتترك رعاية الفقس لله وحده. 

تكون رحلة اسماك الرنجة لوضع البيض محفوفة بالمخاطر حيث تهاجمها الحيتان والأسماك الكبيرة وتأكل منها آلاف الاطنان سنويا وهذه احد وجبات مائدة الرحمن لهم. اما باقى الأسماك التى تعيش فى قاع المحيط فتكون كتل البيض لهم غذاء يكفيهم احيانا حتى العام الذي يليه. 

بعد عدة ايام يفقس البيض وتخرج يرقات صغيرة تحمل معها جزء من مح البيضة يكفيها للعيش عشرة ايام تستطيع بعدها ان تعتمد على نفسها فى الغذاء على العوالق البحرية ثم تكبر وتفترس الأسماك الأصغر ويرقات الجمبري والكابوريا. 

 

ولكنها هي ايضا تصبح فريسة للآخرين وتتلقفها الامواج ولا ينجوا منها ويكمل دورة حياته حتى البلوغ الا ١٪‏ فَقَط. 

 

هذا النسبة البسيطة الناجية من الهلاك تكفى لتحقيق الهدف من بقاء نوع سمك الرنجة الذي تقتات عليه كل المخلوقات الحية ومنها الانسان الذي يتغذي على الرنجة وعلى الأسماك التى تتغذي على الرنجة والتى تقدم لنا هي ايضا كل عام مائدة تمتد آلاف الكيلومترات دون اي مجهود منا ولكنه عطاء الله الوفير.

فى وقت إقامة مائدة الرنجة هذا تهاجر أسراب الطيور من بقاع الارض لتشارك فى الوليمة السنوية وينتعش موسم صيد الأسماك  بكل أنواعها حيث تتجمع لتتغذي على الكبار او الصغار او البيض لأسماك الرنجة  ولا تنفض المائدة الا بنضوب الوجبة بعد ان تعود معظم اسماك الرنجة الباقية من حيث أتت وتلحق بها صغارها الناجية لتعوض ما فقد منها.