الهجرة النبوية.... درس وعبرة

كتب : التميمي الحبال
جعل الله الهجرة سببًا لعزة الإسلام ونجاة لرسوله، ليرفع بها قدره، وليعلى له بها شأنه ويخلد ذكراه، فكانت درسًا فى العظمة وتوجيه النفوس، ليتعلم المسلمون منها التضحية فى سبيل نصرة الحق، ولى تعرفوا منها معنى التضحية فى سبيل الدين الحنيف.
لم تكن الهجرة هروبا من بطش الكفار بالمسلمين، بقدر ما كانت درسا فى التخطيط.

(قد نعلم إنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) الأنعام٣٣، بهذه اللهجةالمخيفة، وبهذا الأسلوب الصارم، وبهذا التحدى البالغ، كشف الله لنبيه نوايا المشركين وخفاياهم، وبين له مبلغ صبره واحتماله ويظهر له كنه قوته وقدرته، وليفهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأمر كله بيد الله، وأنه لو شاء لجمع القلوب  على دين واحد صحيح (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين) الأنعام ٣٥.
أبهذه اللهجة يخاطب الله رسوله ونبيه؟ أبهذا الأسلوب يناقش رسوله؟( الذين هاجروا فى سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين *ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم) الحج ٥٨. 

اليوم نعيش في عبرة من أعظم العبر، وحادث من أخلد الأحداث، وذكرى من أعز الذكريات على النفس والقلب، ألا إنها ذكرى الهجرة العطرة، الهجرة من الظلم إلى العدل، الهجرة من الضلال إلى الحق، الهجرة فى سبيل إحقاق الحق ونشر الإسلام.

والهجر فى قصتها وجملتها قصة صراع بين الحق والباطل، أو بين الظلم والعدل، أو بين الشرك والتوحيد،.فلقد بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الخلق ليبلغهم أوامره وليبلغهم دينه، وليقرأ عليهم كتابه لعلهم يعقلون أو يهتدون (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) سبأ٢٨.

أعرض أهل مكة عن دين الله وحاربوا رسوله وكذبوا كتابه وعذبوا أصحابه ونفروا من الدين وأهله، بل واعرضوا عن كل ما جاء به من فضائل ومحامد ومكارم ومناقب وسنن وآداب، فصبر الرسول على ايذائهم وتحمل فى سبيل دعوته كل تعنتهم ، وثبت أمام وطأة الظلم القاتل، والطغيان المميت، كل ذلك امتثالا لأمر الله الذى أمره بالصبر والثبات (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) الروم ٦٠، لكن المشركين الطغاة، رفضوا تلك الرحمة، ونفروا من الدين والنور المبين،اتهموا الرسول تارة بالكذب وتارة بالسحر وتارة بالشعر، وجعلوا دين الإسلام دينا باطلا، ووجدوا فيه قضاءا على سيادتهم الخاطئة، ومحقرا لعظمتهم المغلوطة وتبديدا لنظمهم الجافة، وذبحت لعصبيتهم الموروث، وقتلا لسلطانهم الغليظ،لم يرض أبو جهل بهذا، ولم يذعن أبو لهب.كيف يساوى عقبة بن أبى معيط عمار بن ياسر، كيف يساوى عتبة بن ربيعة بلال بن رباح، الأولون سادة مكة وأمراؤها وأشرافها،والآخرون سوقة مكة وضعفاؤها (إن هذا لشئ عجيب) هود. 

هذه نعرة الجاهلية ونفخة شيطانية، جعلتهم يشهرون السلاح فى وجه رسول الله ويبالغون فى كيده وأذاه، لم يقصروا أذاهم على الرسول بل عم كل من اعتنق الإسلام، (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) التوبة٣٢
وكم حاولوا فى الأرض إطفاء نوره.وإطفاء نور الشمس من ذلك أقرب..إكرامًا للرسول عن الإهانة وقديسا للقرآن من الضياع وسموا بالدين عن العبث، أذن الله لرسوله بالهجرة، فهاجر ليلا من مكة إلى المدينة تحت عين ورعايته :

وإذا العناية لاحظتك عيونها
نم فالمخاوف كلهن أمان

دبر المشاركون له المكايد، وبقوا له الألغام ونصبوا حوله الفخاخ والشباك، ولكن الله كان من ورائهم محيط (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) آل عمران ٥٤، انقلبوا على أعقابهم كاسرين، ونجا الرسول من كيدهم وشرورهم
من ذلك السارى على وجناته
يطوى الدجى ويخب فى احشائه
فى قلة من صحبة لكنه
فى فيلق من عزمه ومضائه
ما همة نفس يريد نجاتها
بل مذهب يسعى إلى إعلائه