في استراحة الجمعة محسن طاحون يكتب عن ”الحياة بعد الستين”

الحياة بعد الستين تقتلها ثقافة مجتمع تتجسد في اعتقاد الكثيرين من الناس أن بلوغ سن المعاش هو الطريق الى النهاية فتتوقف وتتجمد الحياة لديهم ..

فتجد البعض عند بلوغ هذه المرحلة يحصر وقته الباقي من حياته في العبادة و قراءة القرآن و الصلاة بالمساجد .. وينسى ان هذه الامور كلها مطلوبه منه طواله حياته و ليس فقط بعد سن المعاش ..

فهي الطريق الى رضى الله و الجنة بعد الممات و يجب علينا الاجتهاد فيها حتى اخر نفس .. ولكن للاسف الكثير من الناس يعتقد ايضا أن للحياة تاريخ انتهاء صلاحية ألا و هو بلوغ سن المعاش ، رغم أن المولى عز و جل ذكر في كتابه العزيز : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ).(الأعراف :34)

فنهاية الأجل ليس مرتبط بشيء على الاطلاق لانه ينتهي مع الصحيح و المريض و القوي والضعيف و الصغير والكبير ..

لذا علينا أن نؤمن أن لكل منا وقته بغض النظر عن حالته و قد أخفى الله عنا هذا الموعد رحمة بِنَا ..

وقد منحنا الله وقتاً من الميلاد و حتى النهاية و علينا أن نحسن أستغلال هذا الوقت فيما يرضي الله أولاً و ييسر حياتنا و يجعلنا نعيش حياة سعيدة دون ملل او ضجر أو اكتئاب او انعزال عن الناس أو فراغ نفسي مدمر .

من الخطأ أن نقيس الانسان بعمره ، فالعمر ما هو إلا رقم، هذا واقع طبي ونفسي وديني، طبيًا هناك من يصل عمره فوق المائة لكن عقله وقلبه في حالة سليمة، ومن الطبيعي أن تظهر عليه تجاعيد الزمن وهذه سنة الحياة وواقع المرحلة العمرية.

إن التمتع بجمال الحياة لا يرتبط بالعمر بل يرتبط بجمال الروح و هي ثقافة يجهلها الكثيرين فتمر أيامهم دون استثمارها فيما يسعدهم و يعكس معنى الحياة الحقيقة .

والصحيح أن حياتك التي لم تحياها يمكن أن تبدأ بعد سن الستين.. حيث أن معظم التزاماتك انتهت مثل تربية الاولاد و تعليمهم وزواجهم و مرحلة العمل و المواعيد و الارتباطات العملية .. الا في بعض الحالات الاستثنائية ..

هنا يجب أن تعرف إن لنفسك عليك حقاً ولجسدك عليك حقاً ولذهنك عليك حقاً بعد سن الستين يكون الاوان قد آن لتعيش حياتك التي شغلتك عنها المشاغل العديدة.

وكل انسان مهما بلغ عمره يريد ان يكون مهما ومرغوبا و هنا يكون على كلا الزوجين مراعاة شعور بعضهما البعض فيغدقون على بعضهما بالحب و الود و يقع على المرأة العبء الأكبر إذ يتعين عليها أن تأخذ بيد زوجها في مرحلة ما بعد سن المعاش حيث يتغير رتم الحياة و تفاصيلها و فاعلياتها بين ليلة و ضحاها معه وهنا عليها ان تخطب وده لانها الوحيدة القادرة على تغيير حياته الى الافضل. ولكن للاسف تجد بعض السيدات ما ان يتقاعد زوجها فتبدأ في أن تصفية حساباتها القديمة معه وتعمل علي إهماله و تعطيه الشعور بنهاية الحياة.

ومن المعلوم أن تدفق الحب قد يتوقف في مراحل سنية متقدمة نتيجة عوامل صحية و نفسية و اجتماعية و لكن يبقى الود والتراحم والعشرة الطيبة وكثير من الرجال لايظهرون متاعبهم أو مشاكلهم النفسية نتيجة وجود خلل اجتماعي في الأسرة فيمكث الرجل سنوات طوال تعيسا في بيته دون أن يعلن لزوجته ذلك.

وقد يحدث ان يقوم البعض من الرجال بالفرار من سن الستين ، وعند خلاصه من مسؤولياته فيبدأ في البحث عن نفسه واشباعها بالحب والحنان و الالفه و الونس فتكثر حالات الزوج في هذا العمر مما يؤثر على الزوجة التي تغيب عنه في اهم مرحلة في حياته.

إن المرأة عادة يقع عليها النصيب الاكبر في ضبط ايقاع الحياة .. و الرجل يحمل فى داخله قلب طفل يهفو إلى من تدلله وتلاعبه و المرأة الذكية هى القادرة على القيام بأدوار متعددة فى حياة الرجل ، فهى أحياناً أم ترعى طفولته الكامنة ، وأحياناً أنثى توقظ فيه رجولته ، وأحياناً صديقة تشاركه همومه و أفكاره وطموحاته ، وأحياناً ابنة تستثير فيه مشاعر أبوته .

وفي نفس الوقت يلزم أن يتحلى الرجل بالعدل والرحمة والمروءة والشهامة والشجاعة والتضحية والصدق والتسامح والعفو والرعاية والإحتواء والقيادة والحماية و المسؤولية حتى اخر رمق في حياته.

و لا يفوتني هنا ان اسجل بعض ملامح الحياة الصحيحة بعض الستين فالرضا: أقل في مرحلة الشباب، أعلى بعد الستين فالتجارب الطويلة لها تأثير في ذلك

والإحباط: كثير عند الشباب أقل بعد الستين حيث تحققت الكثير من الانجازات والايجابيات وتطورت الحياة.

والصداقة الحقيقية : لا وقت لها عند الشباب، بينما هي المتنفس الحقيقي لما بعد الستين لانها الالفة و فيها القضاء على الوحدة والتخلص من الملل.

والتأقلم: غير موجود عند الشباب، ويتوافر عند الستين تجاه الحياة والظروف المتغيرة.والتكافل: لا يحتاج له في مرحلة الشباب، ويحتاج له بعد الستين.

والأنشطة: تبدأ بعد الستين في استعادة الهوايات الماضية في السفر و السياحة وممارسة الرياضة البسيطة كالمشي و السباحة وانشطة اخرى مثل الزراعة أو تربية الحمام أو كتابة الشعر، وغيرها من الأنشطة التي ينساها الانسان وسط زحام العمل.