×
24 رجب 1446
23 يناير 2025
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

الحلال بيّن والحرام بيّن

المصريين بالخارج

لقد تفرد الله سبحانه وتعالى بالخلق والأمر والحكم فى الكون كله، والناس كلهم ليس لهم أن يخرجوا عن منهج الله تعالى وشريعته لأنهم وكلاء مستخلفون في الأرض، ولهم حقوق وعليهم واجبات فالله سبحانه وتعالى هو مالك الملك، ومالك كل موجود، فقد استخلف الإنسان فى هذه الأرض، ومكنه مما ادخره سبحانه له فيها من أرزاق وأقوات، وقوى وطاقات، ولم يترك له هذا الملك العريض فوضى يصنع فيه الإنسان ما يشاء، وكيف شاء، إنما استخلفه على أن يقوم بالخلافة وفق منهج من استخلفه، وحسب شريعته فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة البقرة " قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" فما وقع منه من عقود وأعمال، وعبادات ومعاملات، ومعاشرات وأخلاق، وفق التعاقد فهو صحيح نافذ، وما وقع منه مخالفا للعقد فهو باطل موقوف، فإن أنفذه قوة وقسرا فهو إذن ظلم واعتداء لا يقره الله عز وجل، ولا يقره المؤمنون بالله تعالى، فالحلال هو ما أحله الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحرام هو ما حرمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة يونس" قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل ألله أذن لكم أم على الله تفترون" فعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.

ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" رواه البخارى ومسلم، وهذا الحديث اعتبره العلماء يمثل ثلث الدين، وهو كذلك، فيقول الإمام أحمد، أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث، حديث "إنما الأعمال بالنيات" وحديث " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" وحديث " الحلال بيّن" فهذا الحديث في السنة كسورة الإخلاص في القرآن، والحلال بيّن، فقد بدأ به لأنه الأصل، فالأصل في كل شيء الحل حتى تثبت حرمته، ولو تأملت في النعم لوجدتها حلالا إلا ما ندر، وهو بيّن لأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بيّنه للناس بأمر من الله عز وجل فقال تعالى فى سورة النحل " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك" رواه ابن ماجة، ثم إن كل ما أحله الله عز وجل للناس تجده قريبا من النفوس السوية، والفطر السليمة، بخلاف الإثم والحرام، فإنه يتردد في الصدر، ويتلجلج في الفؤاد، ويكره المرء أن يطلع عليه الناس، والحرام بيّن، والحرام هو الممنوع، وهو كل ما نهى الله تعالى عنه في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى فى سورة الأنعام " وقد فصل لكم ما حرم عليكم" وبينهما أمور مشتبهات أمور تجمع كل شيء من قول أو فعل، أو أكل أو شرب، أو بيع أو شراء، أو ما عدا ذلك، ثم مشتبهات، والمشتبه هو الأمر الذى لم يظهر للإنسان على حقيقته، ولم يتبين له فيه الصواب أو الحل والحرمة.

فلا يعلمهن كثير من الناس ولكن هنالك من يعلمها، فإن من توفيق الله تعالى وفضله على هذه الأمة أنه لا يزال فيها من العلماء الربانيين من يعلمون مراد الله، ويبصرون عباد الله بما وهبهم الله من علم، وآتاهم من حكمة، فمن اتقى الشبهات، فقد اتقى، والتقوى تذكر في القرآن الكريم في أكثر من مائتين وستين موضعا، والجنان أعدت للمتقين, فقال الله تعالى فى سورة القمر" إن المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر" وعمر بن الخطاب رضى الله عنه حينما سأل أبيّ بن كعب عن التقوى، قال له هل سرت في طريق ذي شوك؟ قال عمر بن الخطاب نعم، قال فماذا فعلت؟ قال شمّرت واجتهدت، قال أبيّ فتلك هي التقوى إذن فاتقاء الشبهات يحتاج إلى صبر ومعاناة ورويّة، وتحسّب لكل خطوة أو قول أو فعل، فمن اتقي الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، فقد طلب البراءة والنزاهة لدينه، وهو الأساس والأهم، ولعرضه وهو في المرتبة الثانية، فإن المؤمن لا يجوز له أن يعرض عرضه لحديث الناس بما يثيره من الشكوك حوله، فقد يستبرئ الإنسان للدين، ولكنه لا يهتم للعرض، وهذا خطأ فقد يقول في نفسه طالما أنني أعرف نفسي، وأنني لم أرتكب المحرم، فلا عليّ من كلام الناس، فيجلس في أماكن مشبوهة، أو يخالط أناسا مشبوهين، أو يأتى بتصرفات مشبوهة دون اهتمام لكلام الناس، وهذا منهج خاطئ، فإن المسلم إذا ظل طيب السيرة، حسن السمعة، جميل الذكر، فذلك أقوى لوجوده، وأجمل لمنهاجه، وأسرع لقبول دعوته في الناس، فمن ارتكب الشبهات فقد عرض نفسه للتهم والقدح والطعن، ويقول بعض السلف.

"من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، فالوقوع في الشبهات تيسير وتسهيل للوقوع في الحرام، فكل من وقع في الشبهات سيقع في الحرام لا محالة، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام على غاية الحذر والمراقبة والورع، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم" إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها" رواه البخارى ومسلم، وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه "كنا ندع سبعين بابا من الحلال، مخافة أن نقع في باب الحرام" وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه " كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام" فانظر إلى هذه المراقبة الحقة، والورع الصادق، ثم انظر إلى حال كثير من الناس اليوم وانهماكهم في الشبهات دون تهيّب أو تخوّف، فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك التمرة مع أنه قد يكون بأمس الحاجة إليها من شدة الجوع ولوعته، فقد كان يمر الشهر والشهران ولا يوقد في بيته النار، وهنالك أناس أتخمت بطونهم، وتضخمت أرصدتهم، وهم مع ذلك لا يترددون في التهام ما يبدو أمامهم دون تبصّر لأمرِ حِلّه وحرمته سئل الإمام أحمد عن الثمرة يلقيها الطير، فقال" لا يأكلها، ولا يأخذها ولا يتعرض لها" وإنه بعد بيان هذا المعنى العظيم، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعطي صورة جميلة، قبل نهاية الحديث "كالراعي يرعى حول الحِمى يوشك أن يقع فيه" وهكذا النفس إذا اقتربت من مواطن الشهوات ومراتع المغريات فإنه يستهويها البريق.

والأَولى أن يبتعد بها عن مواطن الخلل وأماكن الزلل، ألا وإن لكل ملك حمى، فماذا تفيد هذه العبارة، وما هو القصد منها؟ وهو أنه كما أنه لكل ملك من ملوك الدنيا حمى لا يجرؤ أحد على القرب منه فضلا عن انتهاكه أو الوقوع فيه، فإن أجلّ مَن يجب أن يخاف منه، وأعظم من يجب احترام محارمه، هو ملك الملوك عز وجل فإن له حمى ممنوعا محظورا، وهو محارمه، وقد حذر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم من الاقتراب من محارمه، أو انتهاك حدوده، فقال تعالى فى سورة البقرة " تلك حدود الله فلا تفربوها" وقال تعالى أيضا فى سورة البقرة " تلك جدود الله فلا تعتدوها" ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه" رواه البخارى ومسلم، وإن أمر الله سبحانه وتعالى للعباد ونهيهم هو عين حظهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة إن سمعوا له وأطاعوا، ومصدر أمره سبحانه وتعالى ونهيه رحمته الواسعة، وبره وجوده، وإحسانه وإنعامه، فله الحمد والشكر على ما شرعه وأمر به، وليس لأحد من الخلق أن يحل أو يحرم من عند نفسه، فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة النحل" ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون، متاع قليل ولهم عذاب أليم" فما من شك أن الله تبارك وتعالى هو الخالق لعباده، وهو الرازق لهم، والجهة التي تخلق وترزق هي التى تشرّع فتحل وتحرم، وتأمر وتنهى، وقد أباح الله تعالى للناس جميعا أن يأكلوا مما رزقهم الله في الأرض حلالا طيبا إلا ما شرع لهم حرمته لمضرته.

وحذرهم من عدوهم الشيطان الذي غرّ أباهم آدم فأوقعه فيما حرم الله فقال الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة البقرة " يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا ولا تتيعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" وينادى الله سبحانه المؤمنين بالصفة التي تربطهم به سبحانه، وتوحي إليهم أن يتلقوا منه الشرائع، وأن يأخذوا عنه الحلال والحرام، ويذكرهم بما رزقهم، فهو وحده الرازق، الذي أحل لهم الطيبات التي تنفعهم وحرم عليهم الخبائث التي تضرهم فيقول تعالى كما جاء فى سورة البقرة " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون " فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأكرمه وهيأ له ما يحتاجه من الطعام والشراب وأحل له أشياء، وحرم عليه أشياء، وأمره بأشياء، ونهاه عن أشياء رحمة به وإحسانا إليه وحماية له، فأمره الله تعالى بعبادته وطاعته وكل ما يصلحه وينفعه، وأحل للمؤمنين الأكل من الطيبات ليستعينوا بها على طاعة الله تعالى، وحرم عليهم الخبائث لئلا تضرهم، ونهاهم عن الشرك به ومعصيته وكل ما يضرهم ويفسدهم، فالله تعالى أباح للمؤمنين الطيبات لأنهم ينتفعون بها، ويشكرون الله عليها كما أمرهم ربهم بقوله عز وجل كما جاء فى سورة البقرة " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" فإن سلطة التشريع والتحليل والتحريم إنما هي لله الواحد القهار، الذى ملك السموات والأرض، وله خزائن السموات والأرض، أحل للناس ما فيه مصلحة، وحرم عليهم ما فيه مضرة، وإن الذى يملك حق التحليل والتحريم في هذا الكون هو الذي خلقه.

وهو الله وحده لا شريك له، وليس ذلك لأحد من البشر، لا فرد، ولا طبقة، ولا أمة ولا سلطة، وكل جهة أخرى تحلل أو تحرم شيئا في حياة البشر فإنما تصدر أحكاما باطلة بطلانا أصليا، فليس لأحد غير الله أن يحلل أو يحرم في طعام أو شراب أو نكاح، ولا في لباس، ولا في حركة، ولا في عمل، ولا في عقد، إلا أن يستمد سلطانه من الله حسب شريعة الله عز وجل، وكل ما يشرعه البشر للبشر بغير سلطان من الله فهو من حكم الجاهلية، وهو اعتداء على حق الله في خلقه، ومن ثم فهو باطل بطلانا أصليا، فما أعظم جرم هؤلاء الذين يشرعون للناس من دون الله تعالى فيقول سبحانه كما جاء فى سورة الشورى " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم " فإن الإسلام دين العدل والرحمة والعمل، لا يغفل حاجة من حاجات الفطرة البشرية، ولا يكبت كذلك طاقة بناءة من طاقات الإنسان تعمل عملا نافعا سويا، ومن ثم حارب الرهبانية، لأنها كبت للفطرة، وتعطيل للطاقة، وتعويق عن إنماء الحياة التي أراد الله تعالى لها النماء، كما نهى سبحانة عن تحريم الطيبات كلها لأنها من عوامل بناء الحياة ونموها، وتحقيق مراد الله عز وجل في الحياة، وإن الحلال كله طيب، والحرام كله خبيث، فلا يستويان أبدا، فقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة " قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون" وإذا كانت كثرة الخبيث تغر وتعجب ففي الطيب متاع بلا معقبات من ندم أو تلف، وبلا عواقب من ألم أو مرض، وما في الخبيث من لذة إلا وفي الطيب مثلها.

استطلاع الرأي

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,566 شراء 3,589
عيار 22 بيع 3,269 شراء 3,290
عيار 21 بيع 3,120 شراء 3,140
عيار 18 بيع 2,674 شراء 2,691
الاونصة بيع 110,894 شراء 111,605
الجنيه الذهب بيع 24,960 شراء 25,120
الكيلو بيع 3,565,714 شراء 3,588,571
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الخميس 07:10 مـ
24 رجب 1446 هـ 23 يناير 2025 م
مصر
الفجر 05:19
الشروق 06:50
الظهر 12:07
العصر 15:04
المغرب 17:24
العشاء 18:45