الدكرورى يكتب عن رمضان شهر الجهاد والصبر ”الجزء الأول”
المصريين بالخارجإننا نعيش فى شهر من أفضل الشهور، أيامه من خير الأيام، فيها قراءة للقرآن، وذكر لله الكريم الرحمن، وبذل للصدقات، لياليه من أفضل الليالى، فيها قيام وتضرع إلى الله، وفى أول ليلة من لياليه ينادى مناد يا باغى الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، وفي الجنة باب يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون، وهو فرصة سانحة للتوبة من العصيان، والعودة إلى الملك الديان، ومضاعفة الحسنات، وتكفير للسيئات، فالحذر الحذر من التعامى والتوانى، والبدار البدار بالتوبة قبل فوات الأوان، وفى رمضان أنزل القرآن، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا تنقضي عجائبه، ولا يبلى من كثرة الترداد، إن تمسكنا به فزنا وسعدنا، وإن فرطنا فيه خبنا وشقينا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين" وقال تعالى فى كتابه الكريم " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الصوم فليصمه"
ولكن هناك أمر غفل عنه الناس فى رمضان ألا وهو عدم استشعارهم أن رمضان شهر الصبر والمصابرة، والجهاد والمجاهدة، والفتوحات والانتصارات، فنجد الكثير من المسلمين إذا دخل رمضان اتخذوه فرصة للراحة، فتجدهم يقضون ليلهم فى السهر الذي قد يكون أحيانا على ما يغضب الله من النظر إلى فضائيات الشر وتدمير الفضيلة، أو النظر إلى الصور الخليعة، وقراءة المجلات الهابطة، أو اللعب بتلك الألعاب التى فيها القمار وما أشبه ذلك، ويقضون نهارهم فى النوم وتضييع الصلوات، وإهدار الأوقات، وربما استدل بعض المغفلين على جواز فعله ذلك بقوله "نوم الصائم عبادة" أيكون تضييع الصلوات عبادة، كيف انقلبت الموازين؟ وكيف صار بعض الناس يعتقد أنه يعبد الله بما حرم الله؟ إن هذا لهو العجب العجاب، ونسى أو تناسى هؤلاء أن رمضان شهر الجهاد والمجاهدة، والصبر والمصابرة، والفتوحات والانتصارات، وأن في رمضان كانت كثير من المعارك الشهيرة بين المسلمين والكفار.
ففى رمضان كانت غزوة بدر الكبرى التي فرق الله بها بين الحق والباطل كما قال عز وجل فى سورة الأنفال " وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير " وقال عروة بن الزبير في قول الله تعالى " يوم الفرقان " هو يوم فرّق الله بين الحق والباطل، وهو يوم بدر، وهو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة، فالتقوا يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا، والمشركون ما بين الألف والتسع مائة، فهزم الله يومئذ المشركين، وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر منهم، ففى هذه المعركة كما سمعتم نصر الله المسلمين قليلي العدد والعدة على الكافرين كثيرى العدد والعدة، قال الله تعالى فى سورة آل عمران " ولقد نصركم الله وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون" وإن الخطباء والدعاة إلى الله تعالى عليهم دور أساسى فى بعث هذه المعانى العظيمة فى نفوس المدعوين.
وتبصيرهم بمدى ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعوهم والسلف الصالحون من بعدهم من همة عالية، وعزيمة قاربت الجوزاء، ونشاط ضرب الرقم القياسى، فرمضان يعطينا دفعة للأمام لا للوراء، لإتقان العمل، والجد والاجتهاد في السعي والضرب في الأرض، بتأدية الأعمال على وجهها الأكمل، والدعوة إلى الله بعدم تفريط ولا تقصير، والجهاد في سبيل الله بكل ما أوتي المجاهدون من قوة وعزيمة من حديد، منطلقين من إيمانهم بعقيدتهم، وتفانيهم في نصرة دينهم، واستفراغهم الوسع فى الذب عن هذا الدين، وخصوصا وهم يؤدون أسمى العبادات، وأرقاها، وأميزها، عبادة الصيام، التي ترتفع فيها الروح لتعانق النجوم، لتسجد تحت العرش، حتى تسمع ملائكة الرحمن قرقرة البطون جوعا، وتحس بيبس الحلوق عطشا، فيقول تعالى " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم" وفى رمضان من السنة الثامنة من الهجرة كان فتح مكة الذى بشر الله به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ممتنا عليه فى سورة الفتح " إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، وينصرك الله نصرا عزيزا " ففتح الله لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم القلوب بنزول القرآن فى رمضان، وفتح له مكة التوحيد بالجهاد في رمضان، وفى هذه الغزوة انتصر الإيمان، وعلا القرآن، وفاز حزب الرحمن، ودحر الطغيان، وكسرت الأوثان، وخاب حزب الشيطان، وفى رمضان أيضا كانت معركة عين جالوت التي أعز الله فيها المسلمين بقيادة الملك المظفر قطز، وأخزى التتار الملحدين بقيادة هولاكو المغولى، وكسر شوكتهم، ولم تقم لهم بعدها قائمة، وذلك فى يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان عام ستمائة وثمانى وخمسين من الهجرة، وفى رمضان يوم السبت للأول من رمضان من عام سبع مائة واثنين من الهجرة كانت موقعة شقحب، واستمرت إلى اليوم الثاني بين التتار والجيوش الإسلامية، وشارك فيها شيخ الإسلام ابن تيمية، وكانت الغلبة فيها للمسلمين.
وقال ابن كثير رحمه الله، وحرّض ابن تيمية، السلطان على القتال وبشّره بالنصر، وجعل يحلف له بالله إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا، وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم، وأفطر هو أيضا، وكان يدور على الأطلاب والأمراء، فيأكل من شيء معه في يده، ليعلمهم أن إفطارهم ليتقووا على القتال أفضل، فيأكل الناس" وإن منزلة الجهاد في الإسلام عالية، ولهذا كانت مرتبة الشهداء الثالثة بعد مرتبة النبوة والصديقية، فقال الله تعالى فى سورة النساء " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبييت والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا" بل إن منزلة الجهاد في الإسلام بمنزلة السنام من الجمل، والسنام هو أعلى وأرفع جزء من الجمل، فعن معاذ بن جبل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد" والجهاد في سبيل الله لا يعدله شيء فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال "لا أجده"
قال "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر"؟ قال ومن يستطيع ذلك؟ قال تعالى فى سورة النساء " وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما، درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما" وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، أراه فوق عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة" ولكن لقد شوهت صورة الجهاد، وحيكت للقضاء عليه مؤامرات عديدة، وأن الجهاد كان فى حقبة من الزمان، وفى عهد التسلط والكهنوت، وأما اليوم فقد أصبح العالم كالقرية الواحدة، وأصبح العدل منشرا، فلا داعي للقتال، فهؤلاء المنافقون الذين يتنازلون عن أهم مبادئ دينهم في حين نجد الغرب الكافر يغزوهم في عقر دارهم، دمر المدن والقرى، وقتل الأطفال والنساء، وهتك الأعراض، وانتشرت بسببه الأمراض.