رامي علم الدين يكتب: تجار القضية

 

السيسي خدعنا عبر رئيس مخابراته ليعيد نفسه كلاعب أساسي مهم مع إدارة "بايدن"، يجب علينا ألا نسمح للسيسي بخداعنا.

بهذه العبارة الواضحة نشر أحد التقارير الإسرائيلية، فيما حملوا "نتنياهو" نتيجة خلق تصدع بين تل أبيب وواشنطن، مأكدين على ضرورة إعادة تلطيف العلاقات الثنائية بين الرئيس الإسرائيلي الجديد وإدارة بايدن.

بنجاح مصر التوسط في إيقاف العملية العسكرية على قطاع غزة، ونجاح الدبلوماسية المصرية في فرض الهدنة، ورحيل "نتنياهو" المتوقع من الجميع ، كثيرين ما زالوا يتلهون بالقشور الخارجية ويطرحون أسئلة سطحية، ولا يعون وقاحة المؤامرة وإتساع نطاقها في منطقة الشرق الأوسط، ما يدور هو إلهاء بل وإغراق كل دولة بمشاكل لا تكاد تفق منها، بحيث تنكفئ وتتقوقع داخل همومها ولا تكاد تنتبه لما يحيق بها، سواء أزمات داخلية، اقتصادية، اجتماعية، بيروت، الخرطوم، بغداد، الرياض، الدوحة، أبوظبي، القاهرة، بنغازي الليبية، الصحراء المغربية أقصى الغرب، مع شديد الأسف نري بأسي مدى تفاهة الفهم والإدراك العربي للتحديات الوجودية التي تهددهم، والشعوب العربية هي الضحية دائماً.

منذ إنتهاء العملية العسكرية على قطاع غزة، أكدت إسرائيل إتباعها طرق جديدة للتعامل مع الأموال القطرية التي تصل إلى حركة حماس، تشترط حكومة تل أبيب عدم وصولها إلى حماس مباشرة، أمور كثيرة تغيرت، حماس ستحرص علي إفشال الجهود المصرية دون شك، طلبت الحصول تحويل أموال إعادة الإعمار مباشرة لها، مصر تعلم نواياهم و خططت لتأمين حدودها بدءاً من داخل غزة نفسها، وستحجّم دور حماس تماماً وعلي مراحل، مع حرصها على سلامة ودعم الشعب الفلسطيني في القطاع، اللجنة اليهودية الأمريكية تفتتح مكتباً في الإمارات،ووزير الخارجية : علاقتنا مع إسرائيل هي علاقة بين شعبين، في الوقت نفسه وزير خارجية الكيان إشكنازي تباهى بأنه تواصل خلال الحرب على غزة مع 7 وزراء عرب، ويتواصل يومياً مع عدد منهم عبر "الواتس أب"، أشكنازي قال أن "بايدن" سيعين مبعوثاً لدفع عملية التطبيع، والمرشح للمنصب هو "دان شابيرو"السفير الأمريكي السابق في إسرائيل ويعمل في "مركز أبحاث الأمن" الإسرائيلي، سفير تل أبيب في أبو ظبي إستقبل في مكتبه السفير الأمريكي السابق في إسرائيل "ديفيد فريدمان"، والذي يرتب لتدشين صندوق للإستثمار يقوم على تجنيد أموال
صناديق الثروة السيادية في دول الخليج بالمشاركة مع وزير المالية الأمريكي السابق ستيف موشن ورئيس الموساد السابق يوسي كوهين، والذي يتمتع بعلاقات واسعة مع أروقة الحكم الخليجية.

في بداية الإتصالات وافق الرئيس محمود عباس على الحضور وأرسل وفداً ترأسه اللواء جبريل الرجوب بينما كان إسماعيل هنية مع وفد من حماس قد وصل للقاهرة أصلاً
وعقد المسؤولون المصريون لقاءات مستقلة مع وفدي حماس وفتح، ثم حدث أن علمت القاهر ة بأن أبومازن أصدر أوامره بمنع الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية ومناطق السلطة من السفر إلى القاهرة، وكانت تلك أول إشارة تصل القاهرة بسعي الرئيس عباس لإفشال اللقاء الفصائلي، المفاجأة الثانية تمثّلت في حديث وفد "فتح" عن شرطين أساسيين لا يمكن التنازل عنهما :
-الشرط الأول تمثّل في تعليمات مباشرة وقطعية من الرئيس عباس بأن على حركة حماس الإتجاه فوراً للمشاركة في حكومة وحدة وطنية فلسطينية وقبل الإنتخابات ودون إنتظار اجرائها.
-الشرط الثاني أن الإنتخابات الفلسطينية لن تجرى بدون موافقة إسرائيل على شُمولها في القدس المحتلة.

حاولت القاهرة دفع حركة فتح إلى إظهار قدر كبير من المرونة وعدم وضع شروط مسبقة للقاء التشاوري، دون جدوى،موقف عباس أغضب القاهرة بشدة خاصة وقد نما إلي علمها أن عباس “لا يرغب في التعاون” خاصة بعد تصريحات الدكتور محمد أشتية رئيس وزراء حكومة فتح وهو يرفع” فيتو” مسبق على أي أفكار أو مقترحات لا تعتبر كل ما هو ذو صلة بمشاريع إعادة الإعمار حصرياً عبر السلطة الفلسطينية.

الرد المصري على موقف عباس تقرّر على أن يتم الدور المصري في إعادة الإعمار بالتنسيق مع الأمم المتحدة ..
لا حماس، ولا سلطة أبومازن، المفاجأة أنه خلافاً لعباس والسلطة، وافق كل من إسماعيل هنية، ويحيي السنوار على هذه الإستراتيجية المصرية، فهمت القاهرة أن أبومازن يرغب بإرجاء أي إمكانية للمصالحة وتأجيل الإنتخابات لأبعد مسافة زمنية ممكنة “مستقوياً” بالدعم الأمريكي العلني ثم الإسرائيلي الباطني له، فيما شعرت مصر أيضاً بأن حركة حماس حضرت للقاهرة بسقف مرتفع وبأن عقد الإجتماع في ظل بروز الأجندات عند الطرفين في فتح وحماس قد يؤدي إلى فشل الإجتماع، وهو مالن تقبله القاهرة مما دفعها لإتخاذ
قرار بتأجيل الإجتماع أو إلغاؤه حتى إشعار آخر.

الإطاحة بنتنياهو يتخلص "بايدن" من عقبة رئيسية تواجه توجهاته الشرق أوسطية عموماً، والإيرانية على وجه الخصوص، نستطيع أن نقول أن الوضع أصبح أفضل نسبياً في إدارة المفاوضات النووية مع الإيرانيين، "أنتوني بلنكن" صرح بعد نجاح نفتالي بينت في الحصول على ثقة الكنيست :" نتطلع للعمل عن قرب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الخارجية والحكومة الجديدة ..الولايات المتحدة ترحب بحرارة بالحكومة الجديدة"
سبقه تصريح للرئيس الأمريكي بايدن :
" أتطلع للعمل مع رئيس الوزراء نفتالي بينت من أجل تقوية جميع أوجه العلاقة بين بلدينا.
بدوره نتنياهو حذر من إستلام بينيت للحكومة ويقول:
"بينيت ضعيف وسيرضخ لمطالب بايدن بتمرير الإتفاق النووي مع إيران "
السؤال الذي يقفز إلي الأذهان :
هل يتأثر الموقف الخليجي في القضية الإيرانية بالتحولات الإسرائيلية، أعتقد أن هاجسهم وقلقهم من فرض صفقة مع إيران عليهم سيزداد.

تلك هي لعبة السياسة لا مواقف ثابتة وإنما تتسم بالتغير والديناميكية تبعاً للمصالح، شخصياً كنت أترقب كيف سينجح "السيسي " في نسج الخيوط والتقليل من النبرة العدائية التي صاحبت فوز "بايدن" والافلات من قائمة المغضوب عليهم من الإدارة الأمريكية الجديدة طبقا لتقييم "بايدن" ، حتى حدث التصعيد الإسرائيلي الأخير في الأراضي الفلسطينية، إتصل بايدن بالسيسي مرتين، ليشكره في المكالمة الأولى على جهود القاهرة لوقف إطلاق النار في غزة، أما المكالمة الثانية فـ"ناقش الزعيمان عدداً من القضايا ذات الإهتمام المشترك، وإتفقا على إطلاق حوار حول قضية حقوق الإنسان"، نتمني لو أصّر السيسي علي موقفه بشأن إعادة إعمار القطاع، وطلب من الأمم المتحدة أن تشرف على إعادة إعمار غزة بعيداً عن أولئك الإنتهازيون من كلا الجانبين الذين يسنون أسنانهم علي الملايين التي سينهبوها كما نهبوا غيرها من قبل، نتمني ذلك حفاظاً علي رفع المعاناة عن شعب غزة الذي يعاني عكس أصحاب بطاقات كبار الشخصيات يتجولون بطائرات خاصة علي حساب معاناة الشعب الفلسطيني.