في مجتمعاتنا
بقلم : د.محمد بدير الجَلب
في مجتمعاتنا نجد كبار الشركات يتعاملون بغطرسة مع العملاء ولا يهتمون بتلبية متطلباتهم ولا احتياجاتهم ، أما في المجتمعات غير مجتمعاتنا نجد كبار الشركات تلهث لتلبية طموحات وأحلام عملائها.
في مجتمعاتنا تجد الشركات البادئة الصغيرة تُقاتل وتهتم بكل صغيرة وكبيرة لإرضاء العميل والسماع له جيدًا، ولكنها عندما تكبر لا تحترم عميلها ولا ترد على استفساراته وشكواه ويكون همها الأول والأخير هو زيادة مكاسبها وتضخيم محفظتها المالية، أما في المجتمعات غير مجتمعاتنا تجد الشركات البادئة الصغيرة يزداد اهتمامها بعملائها كلما كبرت لأنها تدرك أنها كبرت بسبب عملائها، وأن عملائها أهم من محفظتها المالية.
في مجتمعاتنا ينظر كبار الموظفين إلى صغار الموظفين بغطرسة ، ويردون عليهم بعظمة، ويسلمون عليهم بأطراف أصابعهم ، لأنهم يشعرون أنهم الأعلى، وأنهم أسياد وباقي الموظفين توابع لهم ، أما في المجتمعات غير مجتمعاتنا ترى كبار الموظفين متواضعين لا فرق بينهم وبين صغار الموظفين لأنهم مقتنعون بأنهم جميعًا موظفون، متساون وإن اختلفت المهام الوظيفية لكل منهم، وأنه ليس هناك كبير ولاصغير في العمل.
في مجتمعاتنا ترى الشاب الصغير متنمر ، يؤذي أويعاقب أخته الأكبر منه، حتى لو كان راسب في الدراسة وهي الأولى على المدرسة، فقط لأنه ولد وهي بنت ، أما في المجتمعات غير مجتمعاتنا يتساوى الولد والبنت لأن الحكم بينهما من الأصلح لمجتمعه وأسرته.
في مجتمعاتنا يُعْطي الزوج لنفسه الحق في تعنيف زوجته وخصامها أو حتى ضربها، وينتظر منها بعد ذلك أن تأتي هي لتصالحه وترضى عنه ، لأن مجتمعنا ذكوري وقوانينا وعرفنا ذكوري ، أما في المجتمعات غير مجتمعاتنا يحترم الزوج زوجته ويقدرها ولا يستطيع أن ينكد عليها أو يتعالي عليها أويؤذيها لأن المجتمع هناك سوف يرفضه والقانون يعاقبه، وليست هناك امتيازات يعطيها العُرف أو المجتمع له.
في مجتمعاتنا لا نهتم بالاعتذار عن خطأ وقع منا، لأن الاعتذار عندنا ضعف ، والقهر عندنا جائز ، والطغيان عندنا منتشر، والشخص الآخر نراه بأعيننا وندوس عليه بأقدامنا ،وإذا اختلفنا فنحن الصح وهو المخطئ، أما في المجتمعات غير مجتمعاتنا فالاعتذار عن الخطأ ثقافة وكرامة وثقة لمن يعتذر ، لأن الشخص الآخر إنسان له احترامه وقدسيته ، ورأيه يحترم ولو كان مخالف ، وله الحق في الاعتراض ورفع الصوت إذا تمت إهانته.
في مجتمعاتنا نتعايش مع التخلف والفقر ولا نجد غير الصبر نرتكن عليه ، ونرضا بالواقع المر وليس لدينا غدًا أجمل نتوقعه، أما في المجتمعات غير مجتمعاتنا فإنهم يعيشون التقدم والرفاهية، والصبر عندهم فقط لترقب اختراع جديد أو ابتكار مذهل، وواقعهم مضيء ومستقبلهم مشرق.
في مجتمعاتنا نفتح عيوننا على شاشات لاتعرض يوميًا إلا الموت والدمار ، ونجلس أمامها لنشرب كأس المرارة والحسرة والحزن على مصائب والآم صنعناها نحن بأيدينا في بلادنا وبلاد إخواننا ، أما في المجتمعات غير مجتمعاتنا فإنهم يفتحون عيونهم على نفس الشاشات التي تعرض حروبنا وقتالنا لبعضنا فيعلنون بدم بارد أننا نستحق هذا المصير لأنه من صنع أيدينا.
في مجتمعاتنا نسينا عزة أبائنا ومجد حضاراتنا وتمرغنا في تراب غيرنا وغرقنا في ملذاتنا ، فتأخرنا آلاف السنين عن غيرنا ، أما في المجتمعات غير مجتمعاتنا فقد قفزوا على أكتافنا وتحولوا من الظلام إلى حضارة، نورها مأخوذ من حضارتنا، ولكنهم أضافوا إليها وحسنوها، أما نحن فقد أطفأنا صهاريجها وشموعها ، ورضينا بالتدفئة برمادها.
