دكتور خاطر الشافعي يكتب : أغصان العمر
بقلم : د خاطر الشافعي
صوب تلك الأغصان المُتهالِكة من هاتيك الشجرة العتيقة، حدَّق الرجل بعينين ساهمتَين، ولم يقطع صمتَ النظرة إلا بقايا من ضوءٍ خافت لشمسٍ تؤذِن بالرحيل.
أدركَ الرجل كم السنين التي مرَّت، والأوراق التي سقطَت، والغصون التي شاخت؛ وأيقن أنَّ الكل يَعيش رحلة غروب، ووضعته إرهاصات اللحظة على مرافئ حِكمة يَنشدها؛ فاستند ببقايا ظهرٍ أثقلته الأيام على جذع الشجرة العتيقة، وحملق ناظرًا إلى الأغصان المُتهالِكة، ويكأنَّه ينتظر منها جوابًا لأكوامٍ من الأسئلة، تضغَط بلا هوادة على بقايا الصدر!
وضعته اللحظة على رحى مقارنة بينه وبين الشجرة، بعدما أوشكت شمس العمر على الغروب، بيد أنَّ شبح الخسارة أطبق على صدره؛ إذ كيف تكون كفَّة الشجرة هي الرابحة، وهو من ميزَّه الله بالعقل والحكمة؟!
أزعجَ الرجلَ أن تضعه الشجرة على مواطن تقصيره؛ فهو لا ينسى أبدًا كم من ثمارٍ أخرجتْ، وكم من ظلٍّ ظليلٍ وهبَتْ، حتى إنها لم تضنَّ ببعض فروعها لتكون عُشبًا أو حطَبًا أو مأوى لطائر!
ماذا قدَّمتُ في عمري؟!
هكذا داهمه السؤال، وحاصرته الظنون.
أين ثماري وأغصاني؟!
أين عمري؟!
أين أنا؟!
وبينما هو مُستغرِقٌ في اللحظة إذا بطفلٍ صغيرٍ يَرمي الشجرة بحَجَر، فتسقُط ثمرة، هرْوَل الطفل نحو الثمرة، فمدَّ الرجل يده ورَبت على كتف الطفل، وتمنَّى لو عاد طفلاً!


















