العودة من العدم: حينما يعيد العلم المندثرين إلى الحياة.. بقلم بهجت العبيدى


في خبر علمي مدهش نُشر مؤخراً، أعلن باحثون عن خطوة هائلة نحو ما يمكن وصفه بـ”إعادة الماضي إلى الحاضر”، إذ تمكّن فريق من العلماء من إعادة “الذئب الرهيب” إلى الحياة، بعد أكثر من 12,500 عام من انقراضه، وذلك باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية والتعديل الجيني المتقدم. هذا الحدث، الذي لا ينتمي إلى الخيال العلمي بل إلى أحدث ما أفرزته المختبرات البيولوجية، يشكّل لحظة فارقة في مسيرة العلم، ويفتح الباب أمام تساؤلات وجودية وأخلاقية ومعرفية حول حدود ما يمكن للإنسان تحقيقه في هذا العصر البيولوجي الجديد.
والذئب الرهيب، أحد الكائنات المفترسة التي جابت الأرض في العصر الجليدي، عاد – ولو بشكل أولي – بفضل تسلسل دقيق لجينومه ومزجه بجينات كائنات معاصرة من فصيلته.
لقد بدأت تتكشف ملامح عصر جديد، حيث لم تعد فكرة “العودة من الموت” أو “إحياء الماضي” مجرد ضرب من الخيال العلمي، بل أصبحت واقعاً يتشكل في مختبرات العالم المتقدم. فبعدما أعلن علماء عن نجاحهم في خطوات أولى لإعادة كائنات منقرضة إلى الوجود، كما هو الحال مع الذئب الرهيب، فإن هذا يفتح الباب واسعاً أمام إمكانية إعادة إنسان النياندرتال، أحد أقربائنا القدماء، الذي أعلن عدد من العلماء سابقا العمل على إعادته إلى الحياة من خلال تقنيات متقدمة مثل تعديل الجينات والاستنساخ اعتماداً على الشفرة الوراثية التي نجح الإنسان في فكها منذ سنوات.
إن ما يحدث ليس مجرد تجربة علمية، بل هو إنجاز حضاري، وتحول جذري في نظرتنا للعلم وحدوده. لقد أصبح العلم اليوم قادراً على إعادة تشكيل الطبيعة ذاتها، لا فقط علاج الأمراض أو إطالة عمر الإنسان، بل التعامل مع الموت ذاته، مع التاريخ، مع الكائنات التي اختفت منذ آلاف السنين.
هذا الحدث العلمي الفريد يُعيدنا إلى جذور الحلم الإنساني العميق الذي عبّرت عنه أسطورة جلجامش حين سعى للخلود، ذلك الحلم الذي رافق الإنسان منذ وعى وجوده، لكنه اليوم لم يعد مجرد خيال شعري، بل مشروع علمي تُضخ فيه ميزانيات ضخمة، ويجتهد فيه أعظم العقول.
وفي عالمنا العربي، خصوصاً في مصر، حيث امتلكنا عبر العصور عقولاً فذة وعلماء كانت لهم الريادة في الطب والفلك والكيمياء، فإن الوقت قد حان لاستعادة هذا الدور الحضاري من خلال الانخراط الجاد والمتحمس في قاطرة العلم. ليس فقط لأن ذلك يمنحنا القدرة على اللحاق بركب التقدم، بل لأن العلم أصبح اليوم قضية بقاء.
إننا لا نملك رفاهية الخوف من التقدم العلمي أو الانغلاق على مفاهيم عتيقة تجاوزها الزمن. لا يجب أن نخاف من علم قد يعيد النياندرتال إلى الحياة، أو قد يمنح الإنسان أعماراً مديدة، أو حتى يعيد تشكيل مفهوم “الطبيعة البشرية”. إن الخوف الحقيقي هو أن نقف متفرجين، مشدوهين، بينما يُعاد تشكيل العالم من حولنا دون أن نكون جزءاً من هذه الحركة الكونية الكبرى.
إن العلم لا يقف عند المجال الطبي. إنه يزحف إلى كل ميدان: الطاقة، البيئة، الذكاء الصناعي، الفضاء، الزراعة، الاقتصاد… بل إلى فلسفة الحياة ذاتها. وفي مواجهة هذا الزحف، فإن أمامنا خيارين لا ثالث لهما: إما أن نُساير هذه الموجة بشغف، نُعيد بناء أنظمتنا التعليمية، ونستثمر في البحث العلمي، ونُقدّس التفكير الحر، ونعيد للعلم مكانته في العقل الجمعي العربي… أو أن نُصبح مثل أقوام اندثرت لأنها رفضت التغيير ولم تستطع أن تواكب زمنها، تماماً كما حدث مع الهنود الحمر حين داهمتهم الحداثة من دون استعداد.
الرهان إذن هو على العقل، على الجرأة، على الرغبة الصادقة في النهوض، على أمة تدرك أن مستقبلها في مختبراتها، لا في استرجاع ماضٍ لا يعود.
فلنُنزل العلم منزلته التي يستحقها، لا كترف فكري، بل كطريق خلاص.