م.اشرف الكرم يكتب .. الآلية الانتخابية، هل تناسبنا؟
قال لصديقه: انظر إلى الدول الغربية، التحضر والتقدم والتقنيات والعلوم والأبحاث، كل ذلك نتيجة مباشرة للديمقراطية عندهم، وهي التي تبدأ باختيار الناخبين لمن سيمثلهم بالبرلمان، مما له أبلغ الأثر في الاختيار السليم والانتخاب القويم، وهو الذي يفرز مجلسًا نيابيًا لا يعمل إلا على مصالح الوطن والناس.
تماهى معه صديقه مؤيدًا: فعلًا، أين نحن من ديمقراطيتهم، فكل إنسان عندهم يغيِّر في المعادلة ويحسب المرشحين له ألف حساب.
كنت مستمعًا للحوار صامتًا، لأن هذا الحوار لم يكن معي، ومع ذلك لم أستطع إلا أن اقتحم النقاش رغمًا عني، فقلت سائلًا: وهل البيئة التي تُنتج فيها نتائج آليات هذه الديمقراطية، لا تتدخل في تلك النتائج التي تمتدحونها، ؟ وأيضًا ماذا عن المستوى الثقافي للناخبين هناك، ؟ وأردفت قائلًا دعنا من البيئة والثقافة -وأيضًا لن اتكلم عن المستوى التعليمي- فماذا عن مستوى وعي المواطن هناك، ؟ حيث أن الوعي هو إدراك أولويات احتياج الوطن وتقديم مصالح الوطن عن أي رفاهية شخصية للناخب، وهو الذي يحدث هناك، بل أحيانًا تكون مصالح الوطن عند ذوي الوعي مُقدَّمة على بعض الاحتياجات الغير أساسية لدى الناخب في الغرب.
نحن نستورد من الغرب آلية تفرز نوابًا عن مجموعة من الناخبين، في خطوات تبدأ بالترشح وتنتهي بتكوين مجلس نواب، فإذا كانت تلك الخطوات ناجحة لديهم، فمن المنطقي أن لا تكون ناجحة في بلاد ينقص الناخبين فيها الوعي وإدراك ما يقيم دعائم الوطن، ولا يعرف فيها الناخب ما هي واجباته التي مقابل حقوقه.
يا سيدي، نحن نبدأ العملية الانتخابية بتجاوز ميزانيات الدعاية الانتخابية، ونمُر عبر قنوات المال السياسي ليكون من معه المال هو الأقدر على خوض الاجراءات، ثم نتابع الصراع على الأصوات بين ذوي المال ممن تكون أعينهم على الناخب البسيط الذي لا وعي لديه، كي يستحوذوا على اصوات أناس لا هم لهم إلا كرتونة الغذاء، أو مبلغ من المال يقابله صوته الذي يسلمه تسليمًا لمن يدفع أكثر.
ثم نرى كيف هي معاناة أعضاء قضايا الدولة والنيابة الإدارية حين يواجهون هذا الجهل بخطورة الصوت الانتخابي من بعض الناخبين الذين لا يعرفون إلا ما قد أُملي عليهم خارج اللجان، وما يعانيه المستشارين من ظروف قاسية في قرى ونجوع نائية، كي يصلوا بالعملية الانتخابية الديمقراطية إلى بر السلامة، ورغم ذلك تحدث خروقات مروعة بضغوط المال السياسي واتباعهم المنتشرين خارج اللجان، ثم نصطدم بأن كل من هب ودب يتقدم بطعون بعضها دون وعي، ترهق كاهل الدائرة المختصة في المحكمة الادارية، في عملية برمتها لا تتناسب مع بيئتنا ولا مع درجة وعي الناخب.
وفي الأخير، أعلنت للجميع في نقاشي معهم أنني مع الديمقراطية قلبًا وقالبًا، حين تجري على شعوب تعلمت الأولويات، وتدربت على أن مصالح الوطن هي الأعلى والأولى، وأن مساندة كل شريف ليكون ممثلًا عنهم في برلمان يراقب الحكومة ويسن تشريعات للدولة هو واجب أصيل، وليس لإفراز عضوًا برلمانيًا تكون أفضل أعماله أنه يخدم أهل الدائرة -إن لم يكن أحيانًا يخدم مصالحه الشخصية- في هذه الحالة فقط أنا مع الانتخابات بالطريقة الغربية، حين تجري على أصحاب مهنة في نقابة أو في شئون عمالية أو ما شابه، لكن ليس للبرلمان،
فحين يكون الناخب مثقلًا بهموم شخصية ومفضِلًا مصالحه على مصالح الوطن، فحينها تكون العملية الانتخابية بصورتها الحالية تضر المواطن نفسه والوطن.
والأجدر بنا الآن أن يتم تشكيل لجنة -تضاهي لجنة إعداد الدستور الذي هو أهم من اختيار أعضاء دورة برلمانية- لتبدع هذه اللجنة في إيجاد آلية تناسب مستوى الوعي الذي نعرفه جيدًا لغالبية شعبنا الطيب، وليس فقط نقل آلية غربية قد تصلح في بيئات ليس فيها الناخب الغير واعٍ لمصلحته ومصالح الوطن.
نظر ليَ الصديقان دون أن يردا بكلمة، ثم انصرفا.


















