اميرة البيطار تكتب ”“مصر الكعكة التي لا تبور ”“ لماذا تتهافت الأيادي عليها؟


حين تُذكر مصر، لا يُذكر اسم دولة فحسب، بل يُستدعى معها تاريخٌ عميق، وحضارة ضاربة في جذور الزمن، وموقع جغرافي يحرك الأطماع كما يحرك البوصلة، وثروات مادية وبشرية قلما اجتمعت في مكانٍ واحد. فالسؤال الذي يُطرح دومًا: لماذا كانت مصر - وما زالت - الكعكة التي يتهافت الجميع على أخذ قطعة منها؟
الجواب هنا: لا يكمن في سببٍ واحد، بل في منظومة متكاملة من العوامل، كل منها كفيل وحده بجعلها مطمعًا، فكيف إذا اجتمعت؟
بدايةهي مصر والتاريخ الذي لا يموت فحضارة مصر لم تكن محلية أو آنية، بل شكلت في مراحل كثيرة نقطة انطلاق لتاريخ العالم. من الفراعنة الذين أذهلوا البشرية بعظمة الأهرامات وأسرار التحنيط، إلى الأزهر الشريف الذي أصبح منارة للعلم الإسلامي، ظلت مصر مركز إشعاع فكري وثقافي. فمن يسيطر على مصر، فكأنما ملك كنزًا حضاريًا يعطيه شرعية وتاريخًا واستمرارية في النفوذ.
أما عن الموقع الجغرافي: بوابة ثلاث قارات تقع مصر في قلب العالم، تربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتشرف على بحرين حيويين: البحر المتوسط والبحر الأحمر، إضافة إلى امتلاكها لقناة السويس، أحد أهم شرايين التجارة العالمية. هذا الموقع يجعلها ورقة ضغط في المعادلات السياسية والعسكرية والاقتصادية الدولية. ولذا، فإن من يملك تأثيرًا على مصر يملك قدرة على التحكم بمصالح دول كبرى.
وإذا تكلمنا عن الثروات الطبيعية والبشرية. فتمتلك مصر ثروات ضخمة، من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، إلى نهر النيل الذي يهب الحياة، إلى الأراضي الزراعية، والسياحة التي يمكن أن تشكل مصدر دخل لا ينضب. لكن الثروة الأكبر هي الإنسان المصري: صاحب الطاقات المتجددة، والعقلية المتكيفة، وروح الصبر والمثابرة.
أما الثقل الثقافي والسياسي والإعلامي ففي العصر الحديث، كانت مصر ولا تزال قائدة للرأي العام العربي. الفن المصري، والدراما، والموسيقى، والأدب، وحتى اللهجة المصرية أصبحت جزءًا من الوجدان العربي العام. والسياسة الخارجية المصرية دومًا تُحسب لها ألف حساب. مصر ليست دولة عادية، بل دولة "مؤثرة" بمجرد أن تنطق، و"حاسمة" إن تحركت.وتأتي النقطة الأقوى في القيادة الحكيمة والدرع العسكري ؛ فمن أبرز عوامل قوة مصر المعاصرة هو وجود قيادة واعية وراسخة، على رأسها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد المحنك عسكريًا، والذي أعاد للدولة المصرية هيبتها ومكانتها الاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي. قدرته على قراءة المشهد، وتحركاته المتزنة، جعلت من مصر دولة عصية على الانكسار أو الاختراق. وجوده على رأس السلطة يمثل درعًا سياسيًا وعسكريًا، تُحسب له الأعداء ألف حساب، وتُؤمّن به الجبهة الداخلية وتستقر به مؤسسات الدولة.
لذلك فالطمع لا يأتي إلا إلى حيث القيمة
ليس غريبًا أن تكون مصر مستهدفة، لأن العقول الجشعة لا تنظر إلا إلى حيث المكاسب. وكلما ازدادت مكانتك، ازدادت عيون الطامعين عليك. الطامعون في مصر ليسوا فقط أعداء ظاهرين، بل أحيانًا يأتي الطمع في ثياب الحليف، والمكر في زي التعاون، والإغراء على هيئة دعم.لذا مصر لا تؤكل إلا كاملة ولن يستطيعوا مهما حاول المتربصون تقسيمها أو اقتطاع قطعة منها، ستبقى مصر كيانًا واحدًا. الكعكة التي يريدها الجميع ليست لمن يمد يده أولاً، بل لمن يستحق أن يحملها مسؤولية وكرامة. ومصر لا تُعطى، بل تحمي نفسها بنفسها، بتاريخها، وشعبها، وقيادتها الحكيمة، ووعيها المتراكم.