الفنان المثابر”جلال العشري

متابعة "سالم هاشم
عندما يطير النورس من بورسعيد للقاهرة يغازل الفن بإبداعه الصادق ولكن ضباب الزحمة والوساطة يغيم السماء حول نجمه فلا يأخذ حقه حتي يكتب عنه محمد زعيمه فيقول..

الفنان جلال العشري هو أحد الفنانين الموهوبين الذين لم يصلوا إلى المكانة التي يستحقونها . فهو ممثل صاحب قدرة على التلوين في الأداء وتقمص الدور ومعايشته ، ولما لا وهو واحد من أبناء مسرح الثقافة الجماهيرية ، ذلك المسرح الذى يع رافداً أساسياً للحركة الفنية بشكل عام والمسرح بشكل خاص، عاش جلال العشري مرحلة عمالقة المسرح الكبار الذين تعاملوا مع مسرح الثقافة الجماهيرية ، مخرجين كبار بين أكاديميين وهواة مسرح أصبحوا فيما بعد بفضل الاحتكاك أصحاب خبرات، ولا ننسى الموهبة في الأساس ، تلك الموهبة التي حباها الله لجلال العشري بداية مما نسميه التيب أي المظهر الخارجي من الجسم وخلافه ، فالعشري شخصية متفردة في تلك الهيئة لذلك يمكن الاعتماد عليه في أدوار مركبة ، لكن تلك الهيئة وضعته في أدوار الشر بسب ملامح وجهه وعينيه الزائغتين ويكمل هو ذلك بشعره الهائم الذى يمكن أن نسميه الغجري المنكوش لكنه يضفى عليه مزيداً من الشخصية ، ملامح تجمع ما بين الشرقي والغربي . عشق العشري المسرح الشعبي ، بسبب المخرج الراحل عبدالرحمن الشافعي ، وكان انضمامه لفرقة مسرح السامر وسيلة لظهوره في العديد من أعمال فرقة السامر ، تميز العشري بقدرته على أداء أدوار مصرية أصيلة فهو ابن الشارع المصري ابن بورسعيد وابن القاهرة خليط رائع أضاف لمخزونه وذاكرته العديد من التفاصيل للشخصيات الأمر الذى ساعده في لعب أدوار متعددة لذلك نراه يخرج من مسرح الثقافة الجماهيرية إلى مسرح الدولة المحترف ليقف علي خشبات مسرح الطليعة مشاركاً في عرض المتاهة تأليف آرابال وإخراج ناصر عبد المنعم في عرض البطولة جماعية وعرض صعب من خلال دور القاضي الذى استطاع أن يؤديه بأسلوب بسيط يساهم في تحقيق رؤية المخرج ، كما قدم على المسرح القومي أرض لا تنبت الزهور بطولة سوسن بدر بالإضافة إلى العديد من الأعمال المسرحية سواء في الثقافة الجماهيرية أو مسرح الدولة.
كان لجلال العشري نصيب من الشهرة والتميز بشكل أكبر عبر الدراما التلفزيونية حيث شارك من بداياته في مسلسلات عديدة منها المشهد الأخير في الفيلم التلفزيوني على بابا ، وهو ما يؤكد أنه يدرك حقيقة قبول الفنان للدور بعيدا عن المساحة شريطة أن يكون دوراً مؤثراً يصنع له بصمة حقيقية ، ورغم ذلك فجلال العشري شأنه شأن الكثير من المواهب التي تظهر ومع ذلك لا تجد طريقها إلي النجومية، وهذا الأمر بالذات لم يشغله وهو سر استمراره ويمكن التأكيد على ذلك أيضاً حينما أصبح مديراً لفرقة السامر، فقد كان همه المسرح دون الانشغال بالمنصب، الذى لم ير أنه يضيف له ، ولذلك تأتى المكافأة في سنوات العمر المتقدمة عبر أدوار لها قيمتها على شاشة التلفزيون ليقدم أدوار الشيخ في عدد من المسلسلات منها الشيخ نصار في مسلسل بطلوع الروح إخراج كاملة أبو زكري والشيخ دوارة في مسلسل حضرة العمدة للمخرج عادل لبيب وهناك تشابه بينهما لكن الشخصية مركبة خاصة أن الرجل مدعي دين يتخذ من الدين وسيلة لخداع الأخرين ، ومع ذلك يستطيع جلال أن يقدم لكل شخصية مذاقها الخاص ذلك الذى يستحضر فيه مخزونه المرئي للشخصيات الشبيه في الواقع كما يستفيد من ثقافته واطلاعه ومن مواقفه الثورية تجاه هذا التيار الخادع الذي يستخدم الدين وسيلة لتحقيق أغراضه
ولا ينسي جلال العشري عشقه للمسرح فيقدم المغامرة مع المخرج مراد منير على مسرح السامر بعد إعادة افتتاحه.
إن رحلة جلال العشري هي رحلة الكثير من المواهب التي تؤمن بموهبتها وتناضل من أجل تحقيق الذات دون يأس هكذا عرفته دوماً إنساناً فناناً غاضباً ثائراً لكنه في النهاية هو يجمع كل ذلك في فنان متواضع وخلوق يحترم فنه ومهنته التي اختارها