دور الرئيس عبد الفتاح السيسي في تنظيم الإعلام المصري

منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في عام 2014، دخل المشهد الإعلامي المصري مرحلة جديدة من التحولات العميقة. في خضم منطقة تعصف بها الاضطرابات وتحديات داخلية متراكمة، اتخذت الدولة المصرية خطوات حاسمة لإعادة هيكلة وتنظيم الفضاء الإعلامي، في مسعى لخلق بيئة إعلامية أكثر انضباطًا تخدم، من وجهة نظرها، أهداف الدولة العليا وتعزز استقرارها. هذا التوجه يطرح تحليلاً معمقاً لطبيعة هذا الدور وتأثيراته على حاضر ومستقبل الإعلام في مصر. لم تكن التحركات في فراغ، بل ارتكزت على بنية تشريعية ومؤسسية تهدف إلى وضع قواعد واضحة للعمل الإعلامي. فبعد سنوات من حالة السيولة التي أعقبت عام 2011، جاء دستور 2014 ليرسم ملامح مرحلة جديدة، تبعته حزمة "قوانين تنظيم الصحافة والإعلام" في عام 2018، والتي تُعتبر نقطة التحول الأبرز في هذا المسار. بموجب هذه القوانين، تم إنشاء ثلاث هيئات رئيسية لتنظيم المشهد: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذي يُعد بمثابة المراقب والحكم، حيث يتولى مسؤولية وضع المعايير والأكواد الإعلامية، وضمان التزام الوسائل الإعلامية بها، بالإضافة إلى منح التراخيص ومتابعة المحتوى المنشور والمذاع؛ والهيئة الوطنية للصحافة، التي تشرف على المؤسسات الصحفية القومية، وتعمل على تطويرها وإصلاح هياكلها المالية والإدارية بما يضمن استمراريتها وقدرتها على أداء دورها؛ والهيئة الوطنية للإعلام، وهي المعنية بإدارة وتطوير الإعلام المرئي والمسموع المملوك للدولة، وعلى رأسه مبنى الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو". يرى المؤيدون لهذا التوجه أن هذه الهيكلة كانت ضرورية لإنهاء حالة الفوضى والعشوائية التي سادت الإعلام لسنوات، ولضبط الخطاب الإعلامي في مواجهة ما تعتبره الدولة "حروب الجيل الرابع" والشائعات التي تهدد الأمن القومي. في قلب هذه الرؤية التنظيمية، تبرز بقوة جهود مكافحة الأخبار الكاذبة والشائعات. فمع الانفجار الهائل في استخدام منصات التواصل الاجتماعي، أصبح الفضاء الرقمي ساحة رئيسية لتداول المعلومات، الصحيح منها والمغلوط. وقد أكد الرئيس السيسي في مناسبات عدة على خطورة الشائعات كأداة لهدم الدول، ووجه بضرورة التحقق من الأخبار والتصدي للمعلومات المضللة. وقد تبنى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هذه الرؤية عبر إنشاء مراصد إعلامية متخصصة لرصد الشائعات وتفنيدها، بالتعاون مع الجهات الحكومية المختلفة، مثل المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، الذي يلعب دوراً نشطاً في الرد السريع والموثق على ما يثار من معلومات غير دقيقة. لم يقتصر الأمر على الجانب التنظيمي، بل امتد ليشمل محاولات لتطوير البنية التحتية والمحتوى الإعلامي. يأتي على رأس هذه المشاريع مدينة الإنتاج الإعلامي التي شهدت تحديثات في استوديوهاتها ومرافقها التقنية لاستيعاب أحدث تقنيات الإنتاج التلفزيوني والسينمائي. كما برز توجه واضح نحو إنتاج محتوى درامي وسينمائي يروج لقيم وطنية ويسلط الضوء على بطولات وتضحيات رجال القوات المسلحة والشرطة في مواجهة الإرهاب، مثلما ظهر في أعمال حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً مثل مسلسل "الاختيار". ويرى صناع هذا التوجه أنه يعزز من الروح الوطنية ويعيد تقديم القدوة للأجيال الجديدة، ويرسخ مفهوم الدولة الوطنية. في خطاباته، كثيراً ما يتحدث الرئيس السيسي عن ضرورة تطوير الخطاب الديني والإعلامي لمواكبة تحديات العصر. هذه الدعوات تعكس رغبة في رؤية إعلام مصري لا يكتفي بالدفاع عن الدولة ضد المخاطر، بل يساهم أيضاً في بناء الوعي وتشكيل فكر مستنير قادر على مواجهة الأفكار المتطرفة. إضافة إلى ذلك، يأتي منتدى شباب العالم كمنصة أطلقتها الدولة لتكون نافذة إعلامية تجمع شباب العالم في مصر، مما يمثل أداة من أدوات "القوة الناعمة" لتقديم صورة إيجابية عن مصر ومناقشة القضايا العالمية من منظور شبابي. إن دور الرئيس عبد الفتاح السيسي في ملف الإعلام هو دور مركب؛ فهو يجمع بين التنظيم الهيكلي الحاسم عبر قوانين وهيئات رقابية، وبين رؤية استراتيجية تهدف إلى حماية الأمن القومي وتطوير المحتوى لخدمة أهداف الدولة. وبينما يرى البعض في هذه الإجراءات ضرورة حتمية لضبط إيقاع الإعلام في مرحلة دقيقة من تاريخ مصر، يرى آخرون أنها تثير أسئلة مهمة حول مساحات التنوع والتعددية في المشهد. والأكيد أن السنوات القادمة ستظل ساحة اختبار حقيقية لمدى نجاح هذه الرؤية في خلق إعلام مصري قوي، مؤثر، ومنضبط، وقادر على المنافسة إقليمياً ودولياً، مع الحفاظ على دوره الأساسي كمرآة للمجتمع وساحة للحوار البنّاء.