وقفاتٌ... بين الناشر والناقل
علاء سحلول المصريين بالخارجبقلم : م.أشرف الكرم
قال: أنا لم أنشر هذا الخبر الكاذب، وما كان لي أن أدعي في أي وقت كان بأي خبر غير حقيقي، ولم أعتد ذلك في حياتي، فلماذا تلومني ؟
قلت: أعلم أنك صادق ولم تقصد يومًا أن تختلق الأخبار لتنشر الافتراء، ولا أظن فيك إلا كل خير، لكنك لست أقل ذنبًا ممن اختلق الأكاذيبِ ونشرها حين أعدت نشرها، وأراكما سواء.
كان هذا حوارٌ بيني وبين صديقي الصادق الذي لا يعمل على اختلاق الشائعة ولم يفكر يومًا في أن يكون مدعيًا بشيءٍ ليس بصحيح، وهو صادق في أنه لا يريد ذلك، لكنه بالفعل وقع فيه وأصبح من الكاذبين الذين يفترون الأخبار الكاذبة وينشرونها، وكان حلقة في سلسلة مقيتة من سلاسل تداول الشائعات، وببساطة متناهية أضر غيره في شخصه أو أضر وطنه في مصالحه العليا، وهو يحسب أنه بعيدًا عن أن يكون كاذبًا ومدعيًا ومفتريًا وناشرًا للشائعات.
والذي يحدث وبكل حسن نية، هو أن أحدنا من الطيبين المحترمين، يقرأ خبرًا في مكان ما على التواصل الاجتماعي أو على صفحات أحد الجرائد الألكترونية الغير منضبطة بأسس العمل الصحافي المهني وأصوله، ويشده هذا الخبر "الذي في الحقيقة هو غير صحيح"، فيسارع صاحبنا في وضعه على صفحته الشخصية أو في المجموعات المكتظة بالمشاركين على منصات التواصل بأنواعها، ظنًا منه أنه يقوم "بالنقل فقط" وبالتالي لا مسئولية أدبية عليه فضلًا عن المسئوليات الأخلاقية والقانونية وغيرها.
ولا يدري أنه بنقله هذا، يكون أحد دعائم نشر الأكذوبة وأحد المساندين باقناع الناس بهذه الأكذوبة، وأنه أصبح دون أن يدري الحلقة الأقوى في تثبيتها لدى العامة والناس.
والأكثر إيلامًا، وبسبب نقله لهذه الشائعة دون تدقيق، أنَّ آخرين يقرأونها ويتداولونها،ويعيدون بالتالي نشرها تحت دعاوى أنهم قرأوها هنا وهناك، فيعيدون النشر أيضًا في سلسلة مقيتة من محاربة الناس لأنفسهم بأنفسهم دونما أن يدروا.
بل ولقد وقفت على الأكثر من هذا، بأن مواقع إعلامية تنقل هذه الأكاذيب، لمجرد أنها انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي فيعلنونها على الشاشات أحيانا باعتبارها خبرًا موثقًا، على اعتبار أن مجرد انتشار الخبر هو توثيق، ويكون صاحبنا هو أحد أسباب كل ذلك دونما يدري.
وفي الحقيقة وبغير مبالغة، أرى أن على كل منا وقبل أن يقوم بإعادة نشر ما يقرأ، أن يجتهد ـ وجوبًا ـ في أن يتتبع مصدر الخبر الذي قرأه ـ فلربما يكون كذبًاـ وعليه أن يقوم بنفسه بالبحث فيما هو متاح على محركات البحث، للوقوف على مدى صدق الخبر قبل إعادة نشره.
فنقل الخبر أمانة ومسئولية وعملٌ قد يوثّق الخبر في ذاته بمجرد إعادة النشر وتدويره ليتلقفه غيره ويعيد النشر في هذه السلسلة المقيتة من هدم استقرار المجتمع بأيدي أبنائه دون اكتراث.
إن أمانة الكلمة تحتم علينا بذل الجهد قليلًا كان أو كثيرًا قبل إعادة نشر أي خبر وقبل تصديقه أصلًا، وخصوصا إذا كان يمس أشخاصًا بعينهم أو اعتباريين، أو إذا كان يمس مصالح الوطن العليا التي علينا جميعا حفظها وتقويتها، فإن لم يجد سبيل فالامتناع عن إعادة النشر كليًا هو الواجب، حتى نكفي أنفسنا وغيرنا شر إعادة النشر دونما تدقيق.