أشرف الكرم يكتب: الموروث الفني والتشويه الممجوج
المصريين بالخارجأصبح من الطبيعي أن تخترق مسامعنا أنواعٌ متعددة من الفنون التي دون المستوى المرغوب مثل الأغاني الهابطة -أي التي لا ترقى بالذوق الفني العام- أو مستوى الصخب والضوضاء الغير مقبولة أو غير ذلك، إذا ما كنت تسير في طرقاتٍ عامة، أو في الشوارع والميادين, رغم أن ذلك لم يكن مقبولًا منذ عقود،
ومازلت أذكر مقالًا للكاتب الصحفي الراحل أنيس منصور في مجلة "آخر ساعة" منذ أكثر من أربعين سنة، حين كان ينتقد بعض المصطلحات الدخيلة على اللغة العامية، بأسلوبه الساخر وصرخته بوجوب الوقوف ضد هذا المسخ الذي يزحف على العامية، حين أشار لكلماتٍ منها "مَتغمّقش" و "لو غمقت مَتزرّقش" وكلماتٍ أخرى من هذا القبيل، وكيف كان حرصه على الموروث الثقافي حتى في اللغة العامية.
وعلى سبيل المثال على نشر الهبوط الفني, حين أتجول في أحد النوادي الرياضية، والتي يفترض فيها أنها أحد أدوات التهيئة الرياضية والاجتماعية التي تهتم برفع الذوق العام اجتماعيا، وأسمع الأغاني التي ليست على المستوى الراقي، وأجد "الكافيتريات" تعلو بالصوت لدرجاتٍ تصم الأذان، بحيث لا تسمع حوارًا يدور على طاولة واحدة، ناهيك عن اختيار الأغاني التي تطمس الموروث من الأغاني التراثية -التي أصبحت تشكل وجدان المجتمع وتمثل جزءًا هامًا من هويتنا المصرية- وكم حزنت لما تابعته من تحويل كلمات الأغاني الرصينة إلى كلمات الإسفاف وأيضًا تغيير اللحن الذي تشكل في أعماق الناس إلى الحانٍ لا ترقى بنا ولا بأذواقنا ولا تذوقنا الفني.
هذه الحالة السلبية، التي فرضها البعض وصمت عنها الكل -إلا قليلّا- قد جعلت الغث هو الأعلى صوتًا والأكثر فرضًا بنفسه على الناس، وبدا على المجتمع قبولًا فاضحًا لتلك الظاهرة التي تفاقمت نتيجة الصمت السلبي وعدم محاولة إيقاف الغث أو حتى هندمته.
وأتساءل, ما معنى أن يخرج علينا الممثل في فيلمٍ يبدأ فيه بأغنية محفورة في ذاكرتنا ثم هو يغيّر اللحن بعد دقائق من بدئها، ليُخرّب علينا ما رسخ في وجداننا من تلك الأغاني المشهورة، والتي أبدع فيها المؤلف والملحن والفنان المؤدي.
ثم أُفاجأ بالبعض ممن لم يكتفوا بالصمت, مضيفين: إن لتلك الأغاني "الممسوخة" عشاقًا من الشباب ولابد من أن نلبي لهم متطلباتهم, قلت: مطالب الشباب تختلف عن مسئولية توجيه الشباب, فللشباب حق المطالبة بكل شيء, وتبقى مسئوليتنا بتوجيههم في كل شيء.
فإذا كنا لا نملك أن نوقف هذا الطوفان الطاغي في الشوارع والطرقات، فلا أقل من أن تقوم المؤسسات والهيئات المعنية في النوادي ودور الترفيه والأماكن التي تشرف عليها الهيئات الحكومية كلٌ في دائرة إدارته، وذلك بتنظيم اختيار المصنفات الفنية التي ستُعلن على العامة بألا يكون منها تشويها لتراثنا الفني وليس منها ما يجعل المستوى العام لنا هابطًا، وأيضًا بمنع قيام البعض من فرض هذا المسخ والطمس, وهذا التشويه الممجوج الذي يطال الموروث الثقافي لدينا ويهبط بالذوق العام الذي نحتاج لترقيته.