مهندس اشرف الكرم يكتب ..الانتحار .. وضيق الرزق
مهندس اشرف الكرم المصريين بالخارجحزنت كثيرًا وأنا أتابع حالات انتحار أفراد من الشباب مما تابعناه مؤخرًا, وتألمت أكثر على الوالدَين اللذَين يفقدان فلذة كبدهما بصورة دامية محزنة, وبشكل مأساوي يدعو للبحث والتحليل.
ورغم أن هذه الحوادث فردية, ولا ترقى لأن تكون ظاهرة في مجتمعنا المصري والعربي, إلا أن مجرد حدوثها -على ندرتها- يُلزِمنا بأن نفرد لها حوارات وبحث ودراسات, كي نصل إلى ما يجب علينا القيام به تجاه أجيال الشباب الحالي بشكل علمي وممنهج.
وأعتقد بأن أهم سبب من أسباب إقدام شاب على الإنتحار هو "الرزق" وضيق ذات اليد وصعوبة الحصول على المال -مع التأكيد على وجود أسباب أخرى لكنها أقل أهمية- إذ أن معظم الناس يظنون بأن سعة الرزق وكثرة الأموال هي طريق السعادة, وبدونها ستنعدم عنهم أي سعادة ويصابون مباشرةً "بالإحباط" ويستتبعه في حالاتٍ نادرة "الانتحار".
وهنا يبرز محور هام في حديثنا عن هذا الفعل المشين "الانتحار", حيث يكون لزاما علينا أن نقدم مفهوم وجودنا في هذه الحياة التي خلقنا الله تعالى فيها من أجل إعمارها امتثالًا لأمر الله في ذلك, فكل بني آدم خليفة لله على أرضه تعالى ليُعمّرها, وليس مطلوبًا منا أن نزداد في الثراء والغنى بقدر ما هو مطلوب منا وجوبًا أن نُعمّر هذه الأرض, وبالتالي فإن قل الرزق أو صَعُب الحصول عليه, فهو أمر بيد الله ولا دخل لنا فيه إذا ما قام الإنسان بما عليه على أكمل وجه, وهذا الثراء لا يجب أن يكون هدفًا للإنسان لأنه مكتوبٌ ومُثبَت منذ الأزل, ولا يجب أن يحبطنا لو لم يأتنا في وقتٍ ما.
ولابد أن نعرِّف الشباب أن جملة أنواع الرزق مكفولة لكل إنسانٍ, لن يموت قبل أن يستوفيها, وأن ماليس في أيدينا اليوم قد يكون كثيرًا معنا في غدٍ, وذلك في كل أنواع الرزق المختلفة من مالٍ أو صحة أو أبناء أو نجاحاتٍ أو أو,, الخ,
وليس شرطًا أن تأتي تلك الأرزاق بشكلٍ متساوي طيلة الخط الزمني لعمر الإنسان, بل قد تتغير بالزيادة أوالنقص بالضيق أحيانًا وقد تزيد أحيانًا أخرى ويكون حينها في سِعة. ولا يمكن أن نَعلم أو حتى نتوقع متى تكون السعة ومتى يكون الضيق, لكن الأمر المحتوم هو أن جملة انواع الرزق لكل منا ستأتيه موزعةً على خط الزمن لعمر كل منا, وبالتالي فلا يجب أن نُحبَط إذا كنا في الضيق, لأن هناك حتمًا بعد سنواتٍ ستكون السعة.
محورٌ آخر يقع فيه الكثيرين منا, وهو المقارنة التي يجريها البعض بين مستواه الحالي ومستوى غيره من أقرنائه, وهنا نقع في ظلمٍ عظيم حيث لا نعلم عن الذي نقارن أنفسنا به, ماذا كان مستواه منذ عشر سنوات, وماذا سيكون مستواه بعد عشر سنوات ؟ بل إننا لا نستطيع معرفة جملة أنواع الرزق التي حُرِم منها هذا الذي نقارن أنفسنا به في وقت المقارنة, حيث أن معلومية المنح والمنع في الرزق ليست في متناول أحدٌ أبدًا, وبالتالي تكون المقارنة مبتورة منقوصة لا محالة, لذا يجب الابتعاد عن المقارنة اقتناعًا بأن ما نعتقده في شخص ما بأنه في منحٍ وسعة, قد يكون في منعٍ وضيق في أنواعٍ من الرزق مما لا نطّلع عليه, ولذلك فقد أخبرنا الله تعالى عن رزقه لعباده بأنه لايمكن حسابه في الآية الكريمة: "وَيرزقُ مَن يشاءُ بِغيرِ حِساب" ودومًا أذكُر مقولة كان يرددها لنا والدي دوما ويذكرنا بها فيقول: "الرزق حول صاحبه دائر, وصاحب الرزق على رزقه حائر, وفي سكون أحدهما يتحرك الآخر" في إشارة إلى أن الذي يجب هو السعي لإعمار الأرض وتطويرها وتنميتها, أما الرزق فهو في السماء وسيأتي بقدر الله الذي قدَّره لكل إنسان في الوقت الأنسب من حياته. أخواتي وإخوتي القراء, إنها ليست دعوة للتكاسل أبدًا, لكنها صرخة لعلها تدوي بيننا لاستعادة ترتيب المفاهيم عن هدف الحياة وعدم الإحباط من ضيق الرزق فيها, فحال الناس يتغير ويتبدل بين الضيق والسعة, ولا يجب أن نُحبَط بسبب هذا الضيق يومًا, وعلينا جميعًا أن نُعلّم أبناءنا تلكم المفاهيم كي نحميهم من وساوس النفس وجنوحها إلى مالا تُحمد عقباه.