ملحمة انتصار بورسعيد علي العدوان الثلاثي 29 أكتوبر 56

تقرير سامح طلعت

الفدائي محمد مهران

"في كل شارع و في كل حارة"
محمد مهران ذو الـ17 عاما حينها، الذي هتف لمصر وفداها بعيونه دون ان يفكير في حسابات المكسب والخسارة.

كان عم محمد مهران قائداً للسرية الثانية من الكتيبة الأولى بالحرس الوطنى في 29 أكتوبر 1956. وفي 5 نوفمبر، توجه إلى منطقة الجميل بشمال غرب بورسعيد ليشترك مع زملائه في إبادة أول إسقاط مظلي بريطاني بعد مقاتلتهم قتالاً شديداً.
ألقى محمد مهران قنبلتين يدويتين وسحب رشاشه وهبط إلي حفرة وهو مستمر في الضرب، فألتف الجنود البريطانيون حول الحفرة في نصف دائرة، وقام بإطلاق النار على الضابط "برن"، إلا أنه فوجئ بالجنود البريطانيين يضربونه على رأسه ليفقد وعيه ويُقبض عليه ويتم نقله إلى قبرص.
هناك وفي محاولات مضنية، حاول الضباط البريطانيون إستدراج البطل محمد مهران للبوح بمعلومات تتعلق بمجموعات الفدائيين والتشكيلات العسكرية داخل وخارج بورسعيد من ناحية الغرب والجنوب، ولكن دون جدوى، فما كان منهم إلا أن حكموا عليه عسكرياً باقتلاع عينيه وإهدائهما لترقيع عيني الضابط البريطانى الذى أصابه بنيران مدفعيته.
مع إستمرارة محمد الرفض بالبوح بالمعلومات، بدأ الظباط مساومته على ترك إحدى عينيه مقابل الإدلاء بحديث إذاعى يُعلن فيه فشل السياسة المصرية و استقبال البورسعيديين للقوات البريطانية بحفاوه بالغة، فأصر على رفضه، فاقتلعوا عينيه وأعادوه إلى بورسعيد وأدخلوه مستشفى الدلفراند حيث تمكن الفدائيون من اختطافه ونقله إلى القاهره للعلاج ولكنه ظل فاقد البصر طوال حياته.

الفدائي السيد عسران
في 11 ديسمبر عام 1956، و بعد أن حول العدوان بورسعيد إلى ثكنة عسكرية وقام بهدم المنازل وقتل النساء والأطفال، قررت مجموعة من الفدائيين ضمت الأبطال أحمد هلال وحسين عثمان وعلي زنجير ومحمد حمدالله وطاهر مسعد و محمد سليمان الرد على بشاعة العدوان باختطاف الضابط الانجليزي مورهاوس، إبن عمة ملكة بريطانيا، الذي اشتهر بغطرسته وغروره وكراهيته الشديدة للمصريين.
إنتظر الأبطال مورهاوس في شارع رمسيس وكلفوا أحد الابطال باستدراجه عند تقاطع شارعي رمسيس مع صفية زغلول فقابله طفل وأخذ يسبه بعنف وجرى الضابط وراء الطفل بسيارته محاولاً الإمساك به حتى وصل به الطفل لأحد المنازل بشارع جانبي حيث انقضت عليه مجموعة الفدائيين وقاموا بتكميمه منطلقين به نحو شارعي النهضة وعرابي.
وخوفاً من افتضاح أمرهم أمام دورية بريطانية قابلتهم في الطريق، قامت المجموعة بالدخول مضطرة إلى بلوكات النظام من الباب الخلفي وإخفاء مورهاوس في صندوق خشبي وتم وضعه مع بعض مهمات داخل سيارة شرطة قبل التوجه به إلى منزل الدكتور أحمد هلال المواجه لأحد مراكز القيادة البريطانية.
عندئذ، فرضت القوات البريطانية حصاراً على المنطقة وأعلنوا حظراً للتجول منع المجموعة من الوصول إلى الصندوق ولكنهم عندما تمكنوا من ذلك وجدوا مورهاس متوفياً، فما كان منهم إلا أن دفنوه أسفل سلم المنزل.
وبعد مداولات، قررت مجموعة الفدائيين الضغط على البريطانيين بجثة مورهاوس وبالفعل تم تسليمها إلى الأمم المتحده تحت رعاية روسيا، فكانت الخطوة واحدة من أسباب رضوخ البريطانيين ووقف إطلاق النار وجلائهم عن بورسعيد.

وفي بطولة أخرى، كان الراحل السيد عسران يبلغ من العمر 17عاما عندما قرر الانتقام من البريطانيين بقتل جوم وليامز ضابط المخابرات البريطاني بعدما استشهد شقيقه الأكبر بنيران إحدى دباباتهم.
وفي نفس مكان خطف مورهاوس، وقف عسران في انتظار سيارة وليامز، الذي اشتهر بسوء معاملة المصريين، حتى دخلت شارع رمسيس وكان بها وليامز والكولونيل جرين والسائق، فتقدم عسران للضابط البريطاني ومعه ورقة شكوى في يد ورغيف خبز به قنبلة يدوية في اليد الأخرى، ألقاها في السيارة عندما فتح وليامز الزجاج فأطاحت بقدم الضابط اليسرى فتوفي فيما بعد بالمستشفى وقتلت على الفور الضابط جرين وأصابت السائق.

الفدائية فتحية الاخرس
لم تقتصر بطولات بورسعيد على الرجال فقط...
فكانت فتحية الأخرس (أم علي) الممرضة في عيادة الدكتور جلال الزرقاني مثالاً للشجاعة أيضاً حيث حولت العيادة إلى مأوى للفدائيين ومخزناً لأسلحتهم. قررت أم علي ألا تتوقف مشاركتها عند هذا الحد، فقامت بنقل الأسلحة المهربة عن طريق بحيرة المنزلة من القابوطي والإتيان بها إلى العيادة بينما يختبئ الفدائيون داخلها.
و في يوم فوجئت أم علي بدورية تفتيش بريطانية على باب العيادة فما كان منها إلا أن افتعلت صراخاً وعويلاً لتوهم الضابط بأن أحد المرضي قد توفي وطلبت منه إحضار الإسعاف لنقله وإتمام عملية دفنه، فانصرف الضابط مع جنوده.
وهكذا رسمت مدينة بورسعيد جزءً هاماً من تاريخ مصر فكيف لنا اليوم أن ننسى هذه البطولات