حوار مع الكاتب والمفكر المصري / بهجت العبيدي

حوار مع الكاتب والمفكر المصري / بهجت العبيدي

اجري الحوار / محموددرويش

إن نزعة الكتابة لا تدرس في مدرسة خاصة ولا تحويها الكتب. يقول سارتر في سيرته الذاتية : كان هناك من يتكلم داخل رأسي.
حين تزورك الشمس في يوم غائم وتظل لا تبرح حيناً …فاعلم أن حدثا جللا واقع لا محالة وان وليدا غضا على وشك أن يرى النور، لأنه سيقلب حياتك رأسا على عقب، فما تلك الإشارات الا علائم من علامات المخاض وما عليك سوى ترقب وانتظار لحظة الولادة ولادتك انت ككاتب وولادة الكلمة فيك.
ضيفنا وضيفكم كاتب وباحث ومفكر عارك الحياة بحلوها ومرها يرى في القراء والكتابة واجب قبل أن يكون هواية إنه معلم تخرج من تحت يده مئات بل آلاف الطلبة ومازال مواظبا في طلب العلم والمعرفة .

الكاتب والباحث والمفكر القدير / بهجت العبيدي

1- بداية نود لمحة موجزة عن حياتك الشخصية..؟؟ من هو بهجت العبيدي ,الإنسان , الكاتب, الصحفي ..وكيف كانت البدايات الكتابية أي لحظة الارتطام بلذة الكلمات والمفردات ونشوتها اللذيذة.؟

بهجت العبيدي ابن الريف المصري، حيث ولدت بعزبة صغيرة تسمى عزبة موسى وهي إحدى عزب مدينة الجمالية بمحافظة الدقهلية، تلقيت فيها التعليم الأساسي وانتقلت إلى المدينة في التعليم الإعدادي والثانوي، ومن ثم انتقلت إلى مدينة المنصورة لألتحق بكلية الآداب بجامعة المنصورة.

2- ما المشروع المعرفي الذي يحمله الأستاذ بهجت العبيدي للإنسانية للبشرية عبر كتاباته.؟؟
يمكنني أن أذكر في كلمات واضحة جلية أن الهدف الرئيس من تجربتي هو إعلاء قيمة العقل وجعله النبراس الذي يهتدي به الإنسان في كل مكان والعربي والمصري على وجه الخصوص، هذا المشروع الذي في المقابل يعلن حربا لا هوادة فيها على الخرافة والأساطير، ويحطم تحطيما تلك الأساليب البالية في المعرفة، فالعقل عندي هو المركز، وكل ما عداه يجب أن يسير في ركابه!.. إنه مشروع فكري يعلي من قيمة العقل، ويرفض التقديس الأعمى، وإن كان لابد من مقدس فمقدسه، هو الإنسان.

3- علي الرغم من متابعاتك واطلاعاتك الكثيفة للروايات والقصص سواء ان كانت للروائيين العرب أو للغربيين لكن من الملاحظ ثمة إمالة واضحة نحو العمل الصحفي.
اهتم اهتماما كبيرا بالأدب عموما، وأضعه في المكانة التي تليق به، باعتبار الأدب أرقى أنواع الفنون التي تعبر عن النفس البشرية، وأرى أن الأديب الحق لا يقل مكانة عن أعظم العلماء، فشكسبير وآينشتاين عندي في مكانة واحدة، وربما يخلد الأول أكثر من الثاني، الذي يمكن، بل بكل تأكيد، سيتخطاه علماء المستقبل، ولما للأدب من مكانة، ومع ذلك أذهب لأن المقال ربما يكون القالب الأنسب لتحقيق المشروع الذي أسعى لتحقيقه، خاصة وهو، فيما أزعم، يناسب إنسان اليوم، الذي لا يصبر على البحث الطويل، ومن هنا أُضمّن مقالاتي الكثير من الأفكار والمعلومات والرؤى التي أزعم أنها تهز مكونات قارئ اليوم.

4- أحمد شوقي, حافظ إبراهيم, طه حسين، قاسم، العقاد، الزيات، أحمد أمين، توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، المطربة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وسواهم قامات باسقة في دنيا الأدب والفن في مصر.. فأين الأحياء، من هؤلاء الخالدين اليوم في مصر....؟!.
نعم هؤلاء قامات كبيرة، وإني أزعم أن كل أمة "حية" تتحصل على جيل يمكن أن نطلق عليه جيل الرواد، هذا الجيل يؤسس لمعرفة جديدة، ويقيم عالما جديدا، ويظل هذا الجيل نبراسا تقتدي به الأجيال التالية، طبعا أنا أفهم سؤال حضرتك، وكأني بك لا ترضى عن الأجيال التي تلت هؤلاء، وإن كنت أزعم أن هناك أصواتا أدبية متميزة، وأصحاب فكر رصين في مصر والعالم العربي، ويجدر بي هنا أن أحيل حضرتك والقراء الكرام إلى منبر ثقافي مثل الديوان الجديد، الذي يحرص على تقديم أدب راق وفكر عميق، وأحيل القارئ الكريم لصحيفة صوت بلادي الصادرة بالولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك إلى صحيفة الأمة العربية الجزائرية التي تفتح صفحتها الثقافية للكتاب والأدباء والمفكرين والمثقفين العرب، ربما أتفق مع حضرتك أن هؤلاء الذين أرى أنهم امتداد لهؤلاء القامات لا يأخذون المكانة اللائقة بهم من المؤسسات الرسمية، ولكن من يتأمل الذي ينشر في المنابر الجادة يدرك أن مصر ولادة وأن العالم العربي لن ينضب معين عطائه.

5- هل الثقافة العربية ( أدب _ فن _ فكر _ سلوك ) ثقافة قمعيه عنصرية تراثية أم تقدميه حداثية، وهل توجد علاقه بين الموروث الديني والاجتماعي و الثقافي و بين ما تتعرض له المنطقة العربية من صراعات و أزمات؟
دعني أقول لحضرتك أن هذه الثنائية إذا وضعت في مواجهة بعضها البعض فإننا نكون قد ظلمنا المنتج الفكري والأدبي والفني العربي، فربما أتفق مع حضرتك أن هناك تيارا قمعيا، ويستند في مسلكه هذا لفهم عقيم للتراث، وإني أرى أن المؤسسات الرسمية في الدول العربية مع هذا التيار، وإن استثنينا المملكة العربية السعودية التي يسعى ولي عهدها للتخلي عن التيارات الجامدة والأفكار المنغلقة. وإن كنت أرى أن المؤسسات الرسمية تحابي هذا التيار المنغلق في المجمل فإنني أرى هناك من يخطو خطوات واسعة نحو عالم اليوم الحداثي التقدمي، ومن هؤلاء من يتكئ على الكثير مما في تراثنا، الذي يمتلك من الفكر الحداثي الكثير، أود أن أذكر أن السردية التي سادت في العالم العربي والإسلامي هي السردية المنغلقة، ومن هنا جاء طرح حضرتك للسؤال بهذه الصيغة، ولكن هذا لم يلتفت إلى جوانب مضيئة مشرقة في تراثنا، فهو ليس كله الفقه التقليدي، ولا الأدب التعليمي، بل هناك فلاسفة عظام: الفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم، وهناك مدارس عقلية رائعة: المعتزلة مثالا، وهناك إنسانيات مبدعة: إخوان الصفا نموذجا، فتراثنا هو تراثنا بعجره وبجره، ولكن للأسف هناك من يقصر التراث على فهمه وتصوره وهذا ما يخلق تلك الصراعات والأزمات التي تذكر حضرتك في السؤال... أعود وأقول: هناك تيار مصري وعربي حداثي تقدمي أنظم نفسي به وانتمائي إليه وهذا التيار له من الأنصار الكثيرون، وإن لم يصلوا من حيث العدد للتيار الكلاسيكي المنغلق.

6-بمن تأثر بهجت العبيدي ولمن تقرأ؟

أكثر من ترك أثرا في كل من: طه حسين ونجيب محفوظ، فالأول وجدته عقلانيا حتى النخاع والآخر وجدته مبدعا حتى النخاع، أما جبران خليل جبران فكان له معي شأن خاص، ففيما كنت أتخيل أن هناك تناسخا في الأرواح، كنت أشعر وأنا أقرأ جبران أن روحه قد تلبستني!.
أنا أحرص حرصا هائلا على القراءة، لا يمكنني أن أذكر كل من قرأت ومازلت أقرأ لهم، فأنا في حالة قراءة دائمة، ولكن على سبيل المثال، فلقد قرأت كل أعمال نجيب محفوظ، وتعرفت على إنتاج طه حسين، وقرأت كل أعمال جبران العربية والمعربة، وفي الصبا قرأت مصطفى محمود، وقرأت الكثير من إنتاج العقاد الفكري والأدبي والشعري وغيرهم من كبار الكتاب والأدباء العرب، وممن أقرأ لهم الآن الصديق الدكتور حسن حماد أستاذ الفلسفة المعاصرة وأستمتع كثيرا بشعر الصديق الدكتور مصطفى قهوة فهو شاعر موهوب ومبدع، وغيرهما كثير، وقرأت كبار الكتاب والفلاسفة العالميين: رينيه ديكارت وجان لوك وفولتير وموليير، وفي الأدب الألماني قرأت جوته، وكل اسم كبير في أية مدرسة أدبية أو فلسفية أسعى للتعرف عليه، فضلا عن النظريات العلمية التي أحرص على التعرف عليها ومحاولة فهمها بشكل مبسط.
7- كيف ترى حرية الصحافة في الوقت الحالي ، وهل لهذه الحرية سلبيات أكثر من الإيجابيات ؟!
سقف مستوى الحريات في العالم العربي عموما منخفض لدرجة كبيرة، ولعله من المناسب هنا أن أذكر واقعة حقيقية بيني وبين ابني على مأدبة غداء، فلقد ذكر لي في مناقشة حول الأعمال الدرامية الأجنبية والعربية التي يتابعها على "نتيفليكس" أن هناك فروق كبيرة بين الأفكار في العملين، وسألني عن السبب في ذلك، فذكرت: إن الإبداع لا يترعرع في أي مجتمع إن كان هناك أي نوع من القيود، فالحرية المطلقة وأكرر المطلقة هي العامل الأول والأهم في توفير بيئة ملائمة للمبدع أو الأديب أو الفنان عموما، وهنا سألني عن الشطط الذي يمكن أن يحدث نتيجة الحرية، فقلت له المجتمع يقصي مثل هذه الأعمال وليس بأمر أي سلطة: سواء كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية، فمن يبدع بما يتقبله المجتمع فسيبقى، ومن يكتب ما يخالف المجتمع فالحكم ساعتها للقارئ أو المتلقي، وبكل تأكيد كلما ضاقت مساحة الحرية كلما تدهور المجتمع، ليس على مستوى الإبداع الفني فحسب، بل في كافة مناحي ومجالات الحياة، وهذا ما نلاحظه في عالمنا العربي.

8 -بعد مسيرة إبداعية جاوزت ربع قرن، ماذا تعني بالنسبة اليك ممارسة فعل الكتابة؟ وهل اختلف الأمر الآن عنه في البدايات؟

يظل شغف الكتابة هو همزة الوصل بين الماضي البعيد والحاضر والمستقبل كذلك، وإن كان فعل الكتابة يأتي دوما في المرحلة الثانية، حيث الأولى هي القراءة والاطلاع والتأمل والبحث، وبكل تأكيد اختلفت كتابة اليوم عن الماضي، نتيجة لتغير الرؤى، ونتيجة لشمول النظرة الإنسانية، التي كانت تصطحبني في القراءة في مرحلة الصبا والشباب ولكنها تتخلى عني لحظة الكتابة، أظن أن ذلك هو الفارق الجوهري بين المرحلتين.

9- الوعي بلحظة الكتابة وما تمثله؟
هذا السؤال هو أقرب للزملاء المبدعين والأدباء، أما الكاتب العقلاني فإن عليه أن يمتلك أدوات العمل ومن ثم يدرس الفكرة أو الأفكار التي يريد أن يعالجها، ثم بعد ذلك يرتب هذه الأفكار ويشرع في الكتابة... وتظل لحظة الكتابة هي الأحب لكل من يتخذ من الحرف سبيلا.

10-الأدب بوصفه تاريخاً موازياً، إلى أي درجة يمكن أن يعوّل عليه؟

لا شك أن الأدب الاجتماعي، أدب نجيب محفوظ مثالا، يصلح بدرجة هائلة للتعرف على المجتمع بتفاصيله الدقيقة في الفترة الزمنية التي عالجها، ولعل ما ذكره فولتير، بأن التاريخ الحقيقي هو تاريخ العقل البشري، حيث أنه يرى أن قصيدة من موهوب حقيقي واكتشاف من عالم فذ وقصة من أديب كبير هو عنده أهم من كل حروب وإنجازات الإسكندر الأكبر، فالأدب هو تأريخ للحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية، شريطة أن يتناول ذلك أديب موهوب.

11- حالة الزخم الروائي التي تشهدها الساحة الأدبية في السنوات الأخيرة هل يواكبها حركة نقد موازية؟
أظن ذلك، فمن خلال متابعتي أرى أن هناك حركة نقدية واعية للأدب والشعر، وأنا هنا أُجَنِّب المجاملات الأدبية.

12- سؤالي المعتاد، بهجت العبيدي مدرسة صحفية عطاؤها لا ينضب بشهادة الجميع يستلهم منها الصحفيون والكتاب وأنا منهم أصول وقواعد وأساسيات العمل الصحفي كيف ترى ذلك ؟
بكل تأكيد يسعدني ذلك كثيرا، حتى وأنا أجد فيها مجاملة، فأحيانا المجاملة تسعد، وأتمنى بصدق أن أترك أثرا إيجابيا عند الأجيال الجديدة التي دوما أدعمها، وأرى، رغم كل الظروف، أنها أفضل حالا، على الأقل على مستوى الثقافة.

13- كلمة أخيرة عن التفاف الجماهير العربية حول المنتخبات العربية المشاركة بكأس العالم قطر 2022 واظهار روح الوحدة العربية كما يجب ان تكون.

يظل هناك في أعماق النفس تشوق لتفوق أي عنصر عربي أو أي مؤسسة عربية أو أي دولة عربية، فهناك روح تسري بين شعوب هذه المنطقة، ولقد كان التفاف أبناء الأمة العربية مع المنتخبات العربية ومع قطر كذلك إنما يعكس هذه الروح، خاصة وأن الأمر قد تم تصويره كمعركة بين ثقافتين: عربية وغربية، فانحاز المجتمع العربي كله للناحية العربية، وجاء نجاح كأس العالم في قطر كانتصار حربي أسعد هذه الشعوب التي هي في حاجة إلى فرحة نصر، وربما كان ذلك أقرب شبها بفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل والتي رآه الشارع العربي نصرا عربيا أيضا على الغرب.