”“ثقافة التكالب”“ بقلم م. اشرف الكرم
م. أشرف الكرم المصريين بالخارجتَذكُر عزيزي القاريء منذ شهور، حين كان سعر الصرف للدولار في البنوك بحوالي عشرون جنيه، وبدأت تُطل علينا الأيادي السوداء لتجارة العملة، كان أول ما فعلوه هو نشر (شائعات) بأن سعر الصرف سيكون ثلاثون جنيهًا وأن السعر الحالي -حينها- ليس عادلًا، وأن السعر العادل هو الثلاثون.
وأسرع الناس في الاحتفاظ والشراء وتخزين الدولار، بُناءً على تلك المعلومات المغلوطة، التي نشرها أذناب هؤلاء التجار على منصات التواصل، وتناقلها الطيبون على صفحاتهم كما لو كانت حقائق،، إلى أن اصبحت بالفعل واقع.
في حين أن الدولار ليس منتج لتزداد تكلفته فيزداد سعره، لأنه مجرد عملة وليس منتج، لكنه يتأثر بالطلب الذي عليه حادًا أم طبيعيًا، وترتفع قيمته مقابل الجنيه عند الطلب الحاد.
وقد كان ما تمناه أصحاب الأيادي السوداء من تُجّار السوق الأكثر سوادًا، وتمادى أتباعهم في نشر الأخبار التي تحرك الناس ليصلوا إلى الطلب الحاد، وقد وصلوا.
وهرع الكثيرين من الناس لشراء العملة الأجنبية ليخزنوها على شكل استثمار، وليس طلب من أجل توريدات أو اعتمادات تجارية، وأصبح التكالب على الاحتفاظ بالدولار كاستثمار شديد وعالٍ جدًا، رغم عدم الحاجة إلية كتعامل، وتحول الدولار إلى سلعة بدلًا من كونه عمله.
وحين تم تعويم الجنيه ووصل سعر الصرف إلى ثلاثين جنيهًا، استمر الأذناب في تدوير نفس اللُعبة، بنفس الأدوات لينشروا أن قيمته أكبر وأكثر، وللأسف استمر البعض في شراء الدولار لندخل في منظومة شُح المعروض من جديد -بسبب التخزين- مع زيادة في الطلب، مما يؤدي إلى ارتفاع سعره، ويتعامل البعض خارج البنوك بالسعر الأعلى.
أنا لا أدعي أن هذا هو السبب الأوحد، لكنني أراه السبب الرئيسي، حيث أن كل من اشترك في هذه المنظومة هو آثمٌ في حق جموع الناس، ويأكل أموال سحتٍ ويربي أبناءه من مالٍ آثم، حيث أنه أضر جموع الناس ممن لم يدخلوا تلك المنظومة المجرمة -وهم كثير- ممن ليس لهم أي ذنب في ذلك.
والدليل على أن هذا التكالب يرفع الأسعار بلا منطق من التكلفة أو الإنتاج، هو ما حدث مع منتجات الذهب، حين تسارع الناس في شرائه بهدف تخزينه، ارتفعت أسعاره بجنون، وهذا ينطبق على أي سلعة يحدث عليها تكالب أو تسارع في الطلب للتخزين دون احتياج فعلي.
إن وعي الناس بحجم الأضرار التي تحدث بسبب هذا التسارع والتكالب على أي سلعة، والمعاناة التي يخلفها تحويل العملة إلى سلعة، كفيلٌ بأن يجنبنا ضغوط اقتصادية كبيرة يقع فيها عموم الناس ممن لا يدّ لهم في هذا الإجرام المُنظّم،
وعلى الدولة أن تضرب بيدٍ من حديد على كل عناصر تلك المنظومة، سواءً تجار أو أذنابهم ممن ينشرون الشائعات، وأن تصدر التشريعات الكفيلة بالحد من تلك المنظومة المجرمة بشكلٍ صارم.