م.اشرف الكرم يكتب ..الحقيقة، .الإنسان والنسيان
م.اشرف الكرم المصريين بالخارجأحيانًا، وفي لحظة قاتمة من لحظات الحياة،، يصدمنا خبر موت القريب، الصديق أو الحبيب، ونشعر في تلك اللحظة بتوقف آلة الزمن، نتابع الخبر الذي يجثم على صدورنا فلا نعرف له تصرفًا ولا نحسن معه تعاملًا، بل لا يكون في أيدينا إلا الاستسلام والتسليم.
ولا عجب، فإننا لن نخرق الأرض ولن نبلغ الجبال ارتفاعًا، كما أننا لسنا محورًا للكون كي يتوقف عند مصيبة الموت التي لدينا،
والحقيقة الواقعية،، التي لا ينتبه لها الناس إلا عند وقوعها،، هي مصيبة الموت، حيث تكون للموت سطوة آنية تجعلنا في حيرة داخلية، متى يومنا، ؟ متى يومها، ؟ متى يومهم، ؟ بل متى وكيف ستكون نهاية الطريق، ؟
ثم تسير بنا قاطرة الزمن، فلا نلبث إلا أن نتعلق بأطرافها مسرعين، ناسين أو متناسين ما قد وقع من موتٍ بجوارنا، ولا ننتبه ثانيًا إلا حين نُصدَم بحقيقة وفاة آخر، لنعيد الكرّة ونواسي أنفسنا أو أهل الفقيد، لنعيد التساؤلات، ويجري علينا الزمن مرارًا، شاهدًا على ما نخطه بأعمالنا في صحائف الأيام.
ولو أردنا أكبر واعظٍ لنا، يوقظ فينا أعظم وازعٍ فينا، فلن نجد أقوى ولا أشد من الموت، فبه يمكن أن نضبط تعاملاتنا مع الناس، وهو يهندم تكالبنا نحو التملك بالحلال والحرام والاستزادة، ومن التعدي على الآخرين بأي إساءة.
لكنه النسيان، حيث يظل الإنسان في حياته يشيح بوجهه عن الموت، باعتباراتٍ تخيلية، بأنه في منأى عن الموت الذي يتخطف الذين من حوله فقط، وأن عليه أن يتابع المسير في حياته دون استدراكٍ أو تعديل، فهو الذي يتابع الموت ليس إلا مشاهدًا ومتابعًا، كما لو أنه في الحياة مخلدٌ أو متجددٌ أو دونما تبديل.
وعلى النقيض من فكرة نسيان هذه الحقيقة التي تلاحقنا جميعا، فهناك من الناس من يحاولون نسيان الحزن على فقيدهم، بل ويدفعهم كل من هم حولهم إلى هذا الإتجاه، وأعتقد بشكلٍ مؤكد بأن موت الأحباء -وبالأخص الأبناء منهم- لا يمكن أن يصل فيه البعض إلى نسيان حزنهم العميق، وعلينا أن نترفق بهؤلاء فليس الأمر بأيديهم.
وأخيرًا، علينا أن نستخلص الرسالة التي تتزامن مع حقيقة الموت، وأعتقد بأن الرسالة التي يجب أن نقرأها من هذا الحدث الجلل، هي أن الحياة ليس فيها بقاءٌ ولا خلودٌ ولا ثبوت، وأن على الجميع أن يعملوا لدارٍ أخرى فيها هذا الخلود، تستحق أن نعمل لها باجتهادٍ غير مخل بحياتنا الدنيا، وأن تكون كل أعمالنا في دنيانا بهدف تحصيلها في دار الخلود.