لحظات من دراما العمر
بقلم : د.أحمد سماحه
كانت فيروز تدندن على عتبات القلب بكائية مدينة السماء، والقاهرة قبضة جمر في الصدر تقفز متواثبة من نبض إلى نبض، وثمة عجوز تتربع فوق النيل.. أخطو نحو الفجر على كاهلي سبعة آلاف عام ميراثي من الحزن، صديقي مازال بجانبي يثرثر شعرًا لا أعرف معناه، وأنا أبحث في جنبات الليل عن نسمة فرح شادرة، صافحني بكف بارد ومضى، مضيت أدخل تجاويف الأدمغة ودهاليز التاريخ، لانبتة فرح واحدة هناك، أتساءل :ظاهرة تلك؟ أم تراثًا؟ أم قدرًا مكتوبًا؟
لم تعد الشمس هي الشمس وما عاد قيس يهيم في الصحراء يبكي ليلاه، وليس لدينا (الزا) أخرى أو حتى (اراغون) الشعراء يبكون زمنًا ضائعًا فتشته لم أجد ما يبهج، كل مساحات عمرنا مستباحة للحزن، وهامش الفرح على جانبي القلب فارغًا من الكتابة.
أنام.. أصحو، صحراء ممددة في أوردتي تطنطن فيها ريح عاتية تجرفني نحو المجهول.. المجهول..
أنهار تتبخر في ذاكرتي، كل مقاهي العمر فارغة من روادها حتى (البستان) لم تبدأ بعد في استقبال مسلوبي العمر..
لم يبق على ميعاد رحلتي إلا ساعات أفرد خارطة صفراء، هذا (بردي) يلملم خجله تحت أسوار (الشام) يرمق دجلة المعذب في صمت وذاك (الحصباني) المصلوب ينتظر قدره، وتلك المدن الموؤدة تحلم في ليل حالك..
ابتسامة باهتة على شفتي مضيفة تلملم جسدها من برد قارص، هيستريا الضوضاء تحاصرني، أفر إلى ذاكرتي فأجدها مبعثرة على صفحات جريدة باهتة، رائحة الأحبار النفاذة تزكم أنفي بالوجع القادم..
أنام، أصحو، صوت يركض في ساحة أذناي، تلك القاهرة.. على يمين القلب، وجع آخر..
(أواه أيها الشعر: لا تحدق بالقلب كثيرًا، أحتاج إلى عمر آخر كي أرتاح لأصحو على زمن آخر يحرضني على الفرح ويقفز بي على أرصفة الدنيا طائرًا صدحًا).
زمن يغسلني من زمني، أرسم فيه وجوه الأصحاب خطوطًا من فرح تتسكع بشوارع قلبي..
تلك الأسكندرية في حرقة عين الخوف جامدة تحت ملايين العجلات السوداء، وجوه الأصحاب كما هي، هفة شوق لمست قلبي لمسًا..، مزقت (شهادات) العمر ومضيت، سؤال كالسهم الفارق يغرق في صدري: من يخلع عن جلدي هذا الهم الشائك..وهذا الخوف من فيروس مجنون.
غزل أحمق بيني وبين الطرقات، شجر ينمو على صدري يمتد إلى الشارع، ادخل دائرة أخرى، أشحذ قلمي علي.. أقتنص لحظة فرح واحدة كي أهديها للناس.


















