" العدل " بقلم : التميمي الحبال
كتب : التميمي الحبال
أمر الله المسلمين بالعدل والإنصاف، ليتمكن سلطانهم فى الأرض وليقيم لهم دولة فى الناس، قال الله تعالى فى كتابه الكريم، فى سورة النحل (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء المنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
آية من كتاب الله تقرع آذاننا كل يوم، وتصل َمسامعنا، فإلى أي حد أثرت فى قلوبنا، بل وإلى أى غاية وصلت من نفوسنا، آية فيها أصول الإسلام ومبادئه وأسسه ونظمه، مالو علمه المسلمون وعملوا به، لعمروا الأرض كلها، ولملكوا الإنسانية بأسرها، ولقادوا العالم المتأرجح إلى حظيرة الإسلام والوئام، ولكن... على الرغم من أننا نسمعها ونرددها... فإنها لم تجاوز آذاننا ولم تهز قلوبنا ولم تحرك شعورنا.
من أجل ذلك لم نفهم معناها ولم نعى مرادها فينا، ولم نتذوق لها طعما، ولم نقم لها وزنا، كأخواتها من كتاب الله، وكأنى بالقرآن الكريم يحذر المسلمين من عواقب تلك الغلة الثقيلة بقوله فى سورة الشعراء (لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم) ولئن كانت فضائل الآية جليلة، وآدابها عالية، إلا أن أجلها وأعلاها فضيلة (العدل)، فلقد بدأ الله بذكره فى آيته، وأعلى شأنه فى كتابه، وحض عليه فى دينه، وأنصف به سبحانه وتعالى وأحب من عباده المقسطين، وأظلهم فى ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ما ذلك إلا لأن العدل فضيلة مقدسة، بل وأى فضيلة أقدس من العدل، وبفضله رفع الإسلام في الأرض وانتشر نوره فى الآفاق، وفتحت أحكامه ومبادئه الممالك والشعوب، وكيف لا يكون كذلك وقد اقتص الرسول من نفسه لأحد أصحابه وهو السيد الأعظم،
بل كيف لا يكون كذلك وقد جلد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولده، بل كيف لا يكون كذلك وقد وقف على بن أبى طالب وهو الخليفة الراشد بجوار نصرانى أمام قاضيه.
كل ذلك تثبيت لمبدأ العدل الذى أمرنا الله به، وهل كان ينقص الأرض قبل الإسلام إلا العدل (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله بما تعملون خبيرًا) النساء
الأعجب من ذلك أن يأمر الإسلام أبناءه بالعدل حتى فى حالة الغضب، تلك الحالة التى لا يملك الإنسان نفسه ولا يسيطر عليها، لو تأمل القائمون على الأمر هذه الآية لاكتفوا بشرف النيابة، وعزة النفس، عن لوثة الظلم والاستبداد ، وأى شرف أن يقوم العبد مقام ربه، يصدر أحكامه وتعاليمه وينفذ أوامره ونواهيه، ويوزع الحقوق على العباد بالقسطاس المستقيم..
تحكموا فاستطالوا فى تحكمهم.
وعما قليل كأن الحكم لم يكن.
لو انصفوا أنصفوا لكن بغوا فبغى
عليهم الدهر بالأحزان والمحن.
فأصبحوا ولسان الحال ينشدهم.
هذا بذاك ولا عتب على زمن.
