الظلم ظلمات يوم القيامة
بقلم : محسن طاحون
الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه والتَّعدي عن الحقِّ إلى الباطل، والتَّصرف في ما يملكه الآخرون بغير حقٍّ، ومجاوزة الحدِّ.
تصلني شكاوي وحكايات كثيرة تشترك في معظمها في واقعة الظلم ..فهذا ظلمه كفيله وأكل عليه حقوقه، لم يكتفى، بل أذاه وتسبب في سجنه، وهذا ظلمه جاره ولم يراعِ حقوق الجار التي ورد ذكرها في كتاب الله والأحاديث النبوية، وهذا ظلمه مديره و لم يٌقدر جهوده غير العادية وفضل عنه زميل منافق أقل جهداً منه، وهذا ظلمه رفاقه فلم يُقدروا حق الصحبة وفضلوا أنفسهم عنه في مواقف كثيرة رغم أنه لا يقل عنهم، وهذا ظلمه معلمه وقسى عليه وأضاعت عليه درجات من حقه لا لشيء إلا لأنه لا يروق له، وهذا ظلمه المجتمع فلم يقدروا كفاءته و منحوا فرصة العمل لمن هو أقل كفاءة منه ولكن مدعوم و له محسوبة، وهذا ظلمه مسئول الموارد البشرية وأضاع حقه في الترقية وحاب آخر عنه لمصالح دنيوية، وهذا ظلم زوجته وأهانها وضربها ولم يقدر إنها تغربت معه وتركت أهلها وأنه هو كل ما لها في الغربة، وهذا ظلم أولاده فلم يحسن رعايتهم و تربيتهم لينفعوا أنفسهم وفضل الاحتفاظ بالمال دون استثماره فيهم، وهذا ظلم نفسه وأورثها الهم و الغم والضيق بسوء عمله وعدم التريث في اتخاذ القرارات المصيرية، وهذا ظلم بناته فمنعهم من الميراث ومنح الذكور وهناك من ظلم إخوته ولم يعطيهم ورثهم.
أشكال كثيرة من الظلم لا تعد و لا تُحصى ..توغر الصدور وتورث الهم والحزن والقلق والإضطراب؛ ونسى الظلمة ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، أنَّه أمر باتّقاء الظُّلم وشبَّهه بالظُّلُمات التي ستحيط الظَّالم يوم القيامة؛ حيثُ قال صل الله عليه وسلم : (اتَّقوا الظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ فإنَّ الشُّحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءَهم واستحلُّوا محارمَهم).
وقد حذر النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- الظَّالم من دعوةٍ تصيبه ممَّن ظلمه، وكيف أنَّها ليس بينها وبين الله حجابٌ أو حاجزٌ، كما في رواية أنس بن مالك عنه -عليه الصلَّاة والسَّلام- أنَّه قال: (اتَّقوا دعوةَ المظلومِ ، وإن كان كافرًا ، فإنه ليس دونها حجابٌ).
ونسوا حديث النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- فيما يرويه عن الله عزَّ وجلَّ في جزء من الحديث القدسي : (يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا،.. ) فقد حرَّم الله تعالى الظُّلم على نفسه ونهى العباد عن أن يظلموا بعضهم بعضاً ، ذلك في دلالة على عِظَم حرمته، وشدّة قبح ارتكابه.
لذا ينبغي على من يقع في ظلم أحد من الناس أن يبادر إلى رد حقه، والتحلل من تلك المظالم من خلال طلب العفو والمسامحة ممن ظلمه، وأن يبادر الظالم إلى الاستغفار عما بدر منه من أعمال الظلم، وأن يعلم أن المفلس يوم القيامة من كان ظالماً للعباد في الدنيا حيث يؤخذ من حسناته، ويوضع عليه من سيئات من ظلمه.
يا من دعاك منصِبك، يا مَن دعاك كرسيك، يا مَن دعتك صحتك، يا مَن دعتك قوَتك وقدرتك على ظلم الغير أو الضعفاء والفقراء والمستضعفين من العباد، تذكر قدرة الله - جل وعلا - واعلم يقينًا بأن الله هو الَّذي سيقتص للمظْلوم منك فاحذَرِ الظلم بجميع أنواعه، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، فإنه ظلمات يوم القيامة.
يا مَن تعتدي على جارك، إيّاك الظلم ، يا مَن تأكل أموال النَّاس بالباطِل، إياك الظلم، يا من تحرم الإناث من الميراث وتعطي الذكور، إياك الظلم، يا من تؤْذي المسلمين، إياك الظلم ، يا من تظلم زوجتك إياك الظلم.
