الاصلاح بين الناس

كتب : التميمي الحبال 

أمر الله المسلمين بالإصلاح بين الناس، ليحسم بينهم النزاع ويزيل من بينهم الخلاف، وأجزل العطاء والثواب للمصلحين، فكان رسولنا الكريم زعيم المصلحين، ولو تأملنا القرآن الكريم لوجدنا آيات كثيرة تدعونا إلى الإصلاح والصلح بين الناس، ونبذ الفرقة والخلاف.

(لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا) النساء ١١٤. 

الاصلاح بين الناس، هو فرع الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، اللذين فرضهما الله على المسلمين وهو من أفضل الأمور عند الله لأن خيره يعم الدين والدنيا،وويعود على الفرد والمجموع، ولأنه مبعث الأمن والإستقرار، ومنبع الألفة والحبة، ومصدر الطمأنينة والهدوء، وآية الإتحاد والإرتباط، ودليل الأخوة الصادقة والإيمان الصحيح، (إنما المؤمنون أخوة فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) الحجرات ١٠

ولو تأملنا تصرفات الإنسان لوجدنا (كائنًا) اجتماعيًا بطبعه، يحب الرقى والتقدم، ويعشق المدنية الحضارة، ويشتهى الأنس والاختلاط ولذلك أودع الله فيه من الغرائز والميول، حبب إليه من النظم والتقاليد والفضائل والآداب، ما يجعله عضوًا صالحًا فى جسم أمة ناهضة، ولبنة قوية فى مجتمع سعيد، فأمره بالحلم والتسامح والعفو والصفح والشجاعة والصبر، والصدق والوفاء والتضحية والإيثار، وجعل له لغة ودين"ا، وزوجة وأولادها، ووطنا وجيرانا، إلى غير ذلك من الأمور التى فرضتها طبائع الإجتماع. 

إلا أننا لو نظرنا فى الإنسان من ناحية أخرى لوجدناه أسدًا كاسرًا قبل أن يكون كائنًا متمدنًا ووحشًا مفترسًا قبل أن يكون إنسانًا رحيمًا : كيف لا وهو ظالم بطبعه؟! غادرًا بفطرته، أنانى يحب نفسه وحريص يقدم شخصه، يقدم مصلحته على مصلحة غيره، ويسعى فى نفعه ولو كان فى ذلك اضرار لسواه، لا يهمه خسران أخيه إذا ما ربح، ولا يحزنه هلاكًا إذا ما نجا، بل لا يبالى الصعود إلى المجد وتحقيق آمله ولو كان على سلم من الجماجم والأجسام، وهذه الطبائع الوحشية، كامنة فى كل إنسان منا، كمون النار فى الحجارة،والحديد، يسترها الضعف ويخفيها العجز ويكبتها العرف ويفلسفها العقل ويلطفها الدين ويخفيها القانون، ولولا ذلك ما كان الإنسان إنسانا، فلولا أن العقل قيده والمجتمع أخجله والدين هذبه والقانون أرهبه.

لولا هذه القوى مجتمعة ومتفرقة لعاش القوى من بنى الإنسان على لحوم الضعفاء ودمائهم كما تعيش الأسود والذئاب.

والظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعله لا يظلم

(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)الأنبياء٩٢، فالإصلاح بين الناس مهمة خطيرة ومروءة كبيرة، وواجب دينى مقدس، أمنية جبريل فى الأرض، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل :ماذا تفعل لو نزلت الأرض؟ قال كنت أسقى الماء، وأصلح بين الناس.

ووظيفة المرسلين فى الناس لا يقوم بها إلا أولئك الذين شرفت نفوسهم، وصفت أرواحهم وتضاعف إيمانهم، وكمل يقينهم، أذواقهم سليمة، و باعهم مستقيمة وضمائرهم حية، وشعورهم نبيل، يكرهون الشر حتى عند غيرهم من الناس، ويمقتون الخلاف حتى عند غيرهم من الطوائف، ويسعون فى إفساد عمل الشيطان وإبطاله، ويجدون فى إحباط كيد الخائنين، يعملون على إطفاء الفتن، وإزالة الشرور، وحقن الدماء وصون الأنفس، وحفظ الأموال وتأليف القلوب، فهم كالماء للنار لا يبقى بها حرارة ولا دخانا، أو كالنور للظلمةلا يبقى بها مغلقا ولا مخيفا، ولذلك يجزل الله لهم الأجر والعطاء لا سيما إذا كان ذلك خالصا لوجهه تعالى (لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا).