الدكرورى يكتب عن غزوة السويق
إعداد / محمد الدكـــرورى
لقد وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنين المجاهدين بالمغفرة والمساكن الطيبة في دار الكرامة وذلك ليعظم شوقهم إلى الجهاد فى سبيل الله وتشتد رغبتهم فيه، وليسابقوا إليه ويسارعوا في مشاركة القائمين به، ثم أخبر الله سبحانه وتعالى أن من ثواب المجاهدين شيئا معجلا يحبونه وهو النصر على الأعداء والفتح القريب على المؤمنين، فعن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه سئل أي العمل أفضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم " إيمان بالله ورسوله" قيل ثم ماذا؟ قال "الجهاد في سبيل الله " قيل ثم ماذا؟ قال " حج مبرور " رواه البخارى ومسلم، وعن أبي عبس بن جبر الأنصاري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار" رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق"
وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها" رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم، وعن سلمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن ماتت فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان" رواه مسلم واللفظ له والترمذي والنسائي والطبراني وزاد وبعث يوم القيامة شهيدا، وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر" رواه أبو داود والترمذي، ومعنى الرباط هو الإقامة في الثغور،
وهي الأماكن التي يخاف على أهلها أعداء الإسلام، والمرابط هو المقيم فيها المعد نفسه للجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينه وإخوانه المسلمين، ولقد كان بعد هجرة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة، بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم، بتأسيس الدولة الإسلامية وتثبيت الدعوة، وتأسيس نقطة للانظلاق بنشر الدعوة الإسلامية إلى خارج الجزيرة العربية، وكان لا بد من خوض عددٍ من الغزوات والحروب ضد المشركين من كفار قريش وغيرهم، خصوصا أن كفار قريش استولوا على أموال المهاجرين في مكة، ولذلك كان الهدف من العديد من الغزوات اقتصاديًا، إذ يقول الله سبحانه وتعالى في كتابة العزيز ( اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير) ومن ضمن الغزوات التي خاضها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هى غزوة السويق، وتعد غزوة السويق من الغزوات
التي قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي غزوة غير مشتهرة على ألسنة الناس، ولكنها من أهم الغزوات التي أكدت على قوة المسلمين وأن لديهم القدرة على صد عدوان قريش في أي وقت، وأكدت الغزوة كذلك أن الدولة الإسلامية الوليدة في المدينة المنورة لن تسمح بأي اعتداء على أراضيها، وقد وقعت غزوة السويق في توقيت حرج، وهو التوقيت الذي دارت فيه حروب بين النبي صلى الله عليه وسلم، وكفار قريش، وذلك لأن هزيمتهم في غزوة بدر قد تركت أثرا نفسيا سلبيا لديهم وحاولوا بشتى السبل تعويض خسارتهم وتحقيق نصر ولو كان صغيرا على المسلمين من أجل رفع روحهم المعنوية، وقد وقعت غزوة السويق عندما رجع أبو سفيان إلى مكة من غزوة بدر، وهو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهو صحابي، ولكنه كان من سادات قريش قبل الإسلام، وهو والد الخليفه معاوية بن أبي سفيان
وهو مؤسس الدولة الأموية، وكان تاجرا واسع الثراء، وزعيم أشراف قريش الذين عارضوا النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته، وقد عادى الإسلام والمسلمين، وكان على رأس غزوتي بدر وأحد، واشترك في حصار المدينة في غزوة الخندق، وقد هادن المسلمين في صلح الحديبية، ثم أسلم عند فتح مكة، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم، من شأنه، فأمن كل من يدخل داره، وولاه على نجران، ثم خرج مع المسلمين في فتوحهم وغزواتهم، فاشترك في غزوة حنين والطائف، ففقئت عينه يوم الطائف، ثم فقئت الأخرى يوم اليرموك، فعمي، وتوفي عن عمر ناهز الثمانى والثمانين سنة وكان ذلك في العام الواحد والثلاثين من الهجرة، وقد عاش قبيلة بنو النضير في المدينة لقرون، ثم طردهم النبي صلى الله عليه وسلم منها، بعد أن أعلن قيام دولته، فلما أرادوا الخروج، أخذوا كل شي يستطيعونه وهدموا بيوتهم وساروا،
فمنهم من نزل خيبر على بعد مائة ميل من المدينة ومنهم من نزل في ناحية جرش بجنوب الشام، ولم يسلم منها غير اثنان، فخرج في مائتي راكب فنزل طرف العريض وبات ليلة واحدة في بني النضير عند سلام بن مشكم فسقاه ونطق له من خبر الناس، وبنو النضير، وهي قبيلة يهودية، كانت تسكن غرب شبه الجزيرة العربية، حتى القرن السابع الميلادي في المدينة المنورة يثرب قديما، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم ، بطردهم من المدينة المنورة بعد أن قام بغزوهم، وكان بعد هزيمة المشركين في غزوة بدر أقسم أبو سفيان بن حرب وكان يومئذ على الشرك ألا يقرب النساء، وألا يمس الطيب جسده، حتى يثأر لهزيمة قريش من المسلمين، وقد كان وقع الهزيمة في بدر قاسيا على قريش، إذ كيف لعدد يسير من المقاتلين أن يهزم جيش قريش الكبير وأن يقضي على كبار قادته،
وتنفيذا لقسمه فقد خرج أبو سفيان على رأس مئتي مقاتل من قريش وتوجهوا إلى المدينة ودخلوا في جنح الليل، ونزل أبو سفيان ضيفا على يهود بني النضير وأراد أن ينزل في ضيافة حيي بن أخطب، فرفض لئلا تقع عداوة بينه وبين المسلمين، فما كان من أبي سفيان إلا أن نزل على سلام بن مشكم سيد بني النضير والذي يحمل مفاتيح كنوزهم، فاستقبله خير استقبال ودله على بعض المعلومات المتعلقة بالمسلمين من المهاجرين والأنصار، وخرج أبو سفيان في تلك الليلة وأمر بعض جنوده أن يغيروا على بعض نواحي المدينة فذهبوا إلى شرق المدينة وذلك في منطقة العريض وحرقوا بعض النخل، وقتلوا رجلا من الأنصار هو معبد بن عمرو.
كما قتلوا رجلا آخر من حلفاء المسلمين وعادوا إلى أبي سفيان وخرجوا جميعا يقصدون مكة، وقد ظن أبو سفيان بهذا أنه قد برّ قسمه، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم، بالأمر جهز جيشا من مائتي مقاتل، واستعمل بشير بن عبد المنذر رضي الله عنه، وكنيته أبو لبابة، على المدينة، وخرج في إثر أبي سفيان ورجاله يريد الإيقاع بهم وكان ذلك في الخامس من شهر ذي الحجة من العام الثاني من الهجرة، أي بعد أقل من ثلاثة أشهر من هزيمة المشركين في بدر، ومن المواقف الطريفة التي حدثت في تلك الغزوة أن المشركين قد حملوا معهم كثيرا من السويق الذي كانوا قد تزودوا به، ولما علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم، في إثرهم ألقوا ما كان معهم من سويق حتى يتخففوا ويستطيعوا الفرار إلى مكة، فسميت الغزوة بالسويق نسبة لهذا الأمر، وقد وصل جيش المسلمين إلى المكان الذي عسكر فيه المشركون.
فوجدوهم قد ولوا الأدبار وفروا هاربين، وعادوا إلى مكة، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا أن عادوا إلى المدينة بعدما تأكدوا من هروب المشركين وكان ذلك في العاشر من شهر ذي الحجة، ولم يقع قتال بين الطرفين بسبب فرار كفار قريش، ولقد حاول أبو سفيان أن يبر بقسمه من خلال غزو المدينة، ولكن هذا لم يتحقق ذلك أنه قد قتل رجلين ولم يقف لمحاربة المسلمين الذين خرجوا في إثره، ولقد أثبتت تلك الغزوة أن المسلمين لا يفرطون أبدا بحال من الأحوال في الدفاع عن أرضهم ووطنهم وأن المدينة ليست صيدا سهلا لكل من أراد اقتحامها، وأصبح لدى المشركين قناعة تامة أن الدولة الوليدة في المدينة المنورة دولة لا ترضى بأعمال السلب والنهب وأنها ستتصدى بكل حزم لمن يريد زعزعة أمنها، ثم أصبح في اصحابه وأمر بقطع أصوار من النخل وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له ثم كر راجعا.
ونذر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في طلبه والمسلمين فبلغ قرقرة الكدر وفاته أبو سفيان والمشركون وكانت العزوة في شهر ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة ثم رجع إلى المدينة وقد كان استخلف عليها أبا لبابة الأنصاري، وأبو لبابة بن عبد المنذر هو صحابي من الأنصار من بني أمية بن زيد من الأوس، وقد استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة المنورة في غزوتي بدر والسويق، وشهد معه باقي المشاهد، وقيل أنه ممن تخلفوا عن غزوة تبوك، وندم على ذلك، فربط نفسه في سارية المسجد النبوي أياما إلى أن حلّه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بيده، وقد توفي أبو لبابة في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد اختلف المؤرخون والعلماء في اسم أبي لبابة وخلطوا بين شخصه ورفاعة بن عبد المنذر، فقال ابن إسحاق وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو زرعة الرازي ومسلم بن الحجاج.
أن أبو لبابة هو رفاعة، وقال موسى بن عقبة وابن هشام وخليفة بن خياط وابن شهاب الزهري أن اسمه بشير، وذهب الذين جزموا أنه رفاعة إلى أنه ممن شهدوا بيعة العقبة الثانية، وقال بعضهم أنه كان من النقباء الإثني عشر، ولما خرج المسلمون للقاء قريش يوم بدر، ردّ النبي صلى الله عليه وسلم، أبا لبابة أميرا على المدينة المنورة في غيابه، وضرب له بسهم بعد المعركة كمن شهدها، وكما استخلفه النبي أيضا على المدينة لما خرج إلى غزاة السويق، ثم شهد أبو لبابة مع النبي صلى الله عليه وسلم باقي غزواته، وكان أبو لبابة حامل راية بطون بني عمرو بن عوف يوم الفتح، وتوفي أبو لبابة بن عبد المنذر في خلافة علي بن أبي طالب، وقيل بعد سنة خمسين من الهجرة، وقد خلف أبو لبابة من الولد السائب وأمه هى زينب بنت خذام بن خالد الأوسية، ولبابة التي تزوجها زيد بن الخطاب وأمها نسيبة بنت فضالة بن النعمان الأوسية،
وكان بعد وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، انضم إلى الجيش الذي كونه خالد بن الوليد وتوجه إلى حرب الردة باليمامة لمقاتلة مسيلمة الكذاب ثم إلى العراق والشام وفلسطين ومصر وحضر فتح دمشق وحرب اليرموك، ثم قدم إلى أفريقية وهى تونس حاليا، في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وظل بها إلى أن وافته المنية في عهد الامام علي بن أبي طالب عن سن تناهز ثمانين عاما في مكان يسمى وادي الغيران بجهة مارث ونقل جثمانه إلى ربوة أبي لبابة في مدينة قابس حيث يوجد مقامه الحالي، وأما موقع غزوة السويق فقد وقعت غزوة السويق طرف العريض، وفي غزوة السويق قيل أن المشركين بما فيهم أبو سفيان كان معهم الكثير من السويق والمتاع ومواد التموين، فتركوا الكثير من المتاع والسويق والتموين كي يسهل عليهم الفرار من المسلمين، ومما ألقوه جريب السويق، والسويق هو القمح والشعير المقلي ثم يُطحن
ويأكل مع الماء أو السمن أو العسل والسمن أي أنهم ألقوا زادهم استعجالا للهرب، لذا اطلق على هذه الغزوة اسم غزوة السويق، وعندما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام ومن معه من المسلمين، وجدوا السويق وأخذوه، وكان من أهم الأسباب التي جعلت المسلمين، يغزون المشركين الذين استولوا على أموال المهاجرين عندما تركوا مكة، وكان عندما وصل أبو سفيان إلى المدينة ليلا، ونزل ضيفا عند يهود بني النضير الذين كانوا يسكنون المدينة المنورة، وتوجه إلى زعيمهم حيي بن أخطب لكنه رفض استقباله وخاف من أن يفتح له لأنه يعلم أنه لم يأت إلا بشر، فنزل ضيفا على سلام بن مشكم سيدهم وصاحب كنزهم، وتشاور الرجلان في أمر المسلمين فعلم منه خبرهم، وأخبره بما يجري في المدينة المنورة من أحداثن وأخبره بحال المهاجرين والأنصار، خصوصا أنه يهودي واليهود لا أمان لهم،
وكانت فى النهاية نتائج غزوة السويق هو بعد أن وصل المسلمون إلى المكان الذي كان فيه أبو سفيان ومن معه، لم يجدوهم، ولم يستطع المسلمون إدراك جيش قريش لأنهم كانوا قد ابتعدوا عن المكان، فعاد المسلمون إلى المدينة المنورة دون أن يحدث بينهم وبين المشركين أي قتال، وكان ذلك في العاشر من ذي الحجة، وكان فرار أبو سفيان ورجاله من المشركين خوفا من المسلمين، ولم يستطع المسلمون إدراكهم لأنهم كانوا قد ابتعدوا، وقد ترك المشركين السويق والمتاع والتموين وراءهم لأجل تسهيل فرارهم من المسلمين، وأخذ المسلمين السويق والمؤنة التي خلفها أبو سفيان بن حرب ورجاله.


















