بهجت العبيدي يكتب : المجتمعات المنغلقة تهتم بالشكل دون المضمون

بقلم : بهجت العبيدي 

كاتب ومفكر مصري مقيم بالنمسا

أتساءل كثيرًا عن هذا التفاوت في النسب بين الدول التي يحلو لعموم أبناء المجتمع العربي والإسلامي وصفها بأنها دول منحلة ومجتمعات متفككة وبين دولنا العربية التي نزعم تمسكها بالقيم، وندعي ترابط مجتمعاتها. 

فالنتيجة تميل دائمًا حسب إحصاءات معتمدة لهذه الدول، فنجد دولنا تأتي في المراتب الأولى في ظواهر مثل التحرش والتنمر ، والسلوك المنضبط في الشارع يذهب هو الآخر لأبناء هذه الدول التي ينظر لها عموم أبناء الشعوب العربية والإسلامية نظرة أخلاقية دونية. 

من الظواهر الملفتة والتي يجب الوقوف عندها وتحليلها تحليلًا عميقًا ، ودراستها دراسة دقيقة هي ظاهرة التحرش التي تنتشر بقوة في مجتمعاتنا، فليس من الطبيعي أن نزعم أننا نمتلك العديد من الصفات الحميدة، والكثير من التقاليد العريقة، ونصبح على رأس الدول في ظاهرة التحرش. 

ما دفعني للولوج إلى هذا الموضوع ، هي تلك الزيارة القصيرة التي قمت بها لمصر ، والتي بها الكثير من الإيجابيات التي يجب أن نقف عندها ، أو بالأحرى وقفنا عندها ، حينما سطرنا على هذه النقلة النوعية في شبكة الطرق والمواصلات في مصر ، والتي نزعم بل نؤكد أن شبكة الطرق الحديثة التي قام على تنفيذها الرئيس عبد الفتاح السيسي تفوق مثيلاتها في الدول الأوروبية. وحينما توقفنا أمام المشروعات العملاقة والمتوسطة التي يقوم على تنفيذها الرئيس عبد الفتاح السيسي معتمدًا على سواعد أبناء مصر الفتية.

إن الزيارة القصيرة التي قُمت بها لمصر أظهرت لي، من ضمن ما أظهرت ، عيونًا نهمة راصدة مسلطة على أحد أجزاء الجسم ، تلك النظرة التي نعتبرها أولى خطوات التحرش ، والتي لا يكتفي باعثها بهافحسب، بل يتبعها بحركة ذات معنى ، وبكلمة تعقبها كلمات ذات دلالة وإيحاء جنسي.

ولعل القضية الشهيرة لفتاة المنصورة التي تعرضت لتحرش بشع من مجموعة من الشباب أثناء الاحتفال برأس العام الجديد، تمثل هذه الظاهرة أوضح تمثيل، والغريب في الأمر أن هناك من وقف يدافع عن هؤلاء المتحرشين ، معتبرًا ملابس الفتاة سببًا يكفي لأن يسلك مجموعة من الشباب هذا السلوك المشين الذي تندى له الجباة. 

إن ملبس الفتاة لا يمكن بحال من الأحوال مهما كان مبرزًا مفاتنها ، وهو ما نرفضه بالطبع حتى لا يتصيد المتصيدون لفظة هنا أو جملة هناك ، لا يعد سببًا في هذا السلوك الحيواني ، الذي تأباه النفس البشرية السوية ، أما الأسباب الحقيقية لمثل هذه الظاهرة فهي تركيبة المجتمع المصري الذي أصبح يميل للانغلاق في كل شيء، هذا الانغلاق الذي يجعل الفعل الأخلاقي مجرد شكل وصورة، وغير نابع من قيمٍ مثلى متجذرةٍ في النفس.

إن المجتمعات المنغلقة تهتم بالشكل دون المضمون، فنجد فيها زيًا محتشمًا متمثلًا هنا في انتشار الحجاب، وهو شيء لعمري جميل إن اتسق واتفق مع قيم الدين، بل وجدنا تزايدًا في ارتداء النقاب، في ذات الوقت الذي لم نجد انتشارًا وتمسكًا بالفضائل النفسية مثل الصدق والأمانة وإتقان العمل، بل على العكس نجد في تلك المجتمعات الكذب متفشيًا، والتهاون في العمل منتشرًا، وعدم أداء الأمانة متوفرًا. 

وكأني بهذه المجتمعات في سلوكها هذا تبحث فقط عن تبريء ذمتها شكلًا فقط، كأني بالأسرة تقول: إننا قمنا بتربية ابنائنا تربية صالحة لا تخطئها العين، وهل تخطئ العين اللباس؟ الذي هو ظاهر للعيان، في ذات الوقت الذي لم تهتم بالجوهر، فيصبح الحال كما هو في مجتمعنا الآن: الاهتمام بالشكل دون المضمون.