تحويلات تاريخية ورسائل اقتصادية.. فهل يستمر الزخم؟
أصدر البنك المركزي المصري بيانًا رسميًا يعلن فيه عن قفزة تاريخية في تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال أول عشرة شهور من السنة المالية 2024/2025 (يوليو–أبريل)، حيث بلغت نحو 29.4 مليار دولار، مقارنةً بـ 16.6 مليار دولار في الفترة نفسها من العام المالي السابق، بزيادة قدرها 77.1%.
البيان أوضح كذلك أن الفترة من يناير إلى أبريل 2025 شهدت وحدها تحويلات بلغت 12.4 مليار دولار، بنسبة نمو 72.3% على أساس سنوي، في حين سجّل شهر أبريل 2025 وحده نحو 3.0 مليار دولار، بزيادة 39.0% مقارنةً بأبريل 2024.
هذا النمو اللافت يحمل دلالات اقتصادية عميقة على عدة مستويات. أولها أن المصريين بالخارج ما زالوا يشكلون أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني، ومصدرًا حيويًا للنقد الأجنبي، جنبًا إلى جنب مع إيرادات قناة السويس والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر. هذه الطفرة في التحويلات تُعد بمثابة تصويت ثقة من المصريين المغتربين في الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، بما فيها تحرير سعر الصرف، وإطلاق شهادات دولارية بعوائد جاذبة، بالإضافة إلى مبادرات التسهيل في شراء السيارات والعقارات للمغتربين.
من جهة أخرى، تعكس هذه الأرقام تحسنًا ملموسًا في أدوات السياسة النقدية وقدرة البنك المركزي على استعادة مصادر التمويل الدولاري، مما يُسهم في تخفيف الضغوط على ميزان المدفوعات ويدعم استقرار الاحتياطي النقدي.
كما أن هذا الارتفاع يُرسل رسالة طمأنة إلى شركاء مصر الدوليين، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي، بأن الاقتصاد المصري لا يزال يتمتع بمرونة في مواجهة التحديات، وأن السياسات الاقتصادية بدأت تؤتي ثمارها في استقطاب الموارد من الخارج، لا سيما من الجالية المصرية التي يُقدَّر عددها بالملايين وتنتشر في عشرات الدول.
وفي الوقت نفسه، تؤكد هذه الأرقام أن دور المصريين بالخارج يجب ألّا يُختزل في كونه مجرد مورد دولاري، بل شراكة فعلية في التنمية والاستثمار ونقل الخبرات.
إلا أن السؤال الأهم يظل: هل هذا النمو قابل للاستمرار؟ وهل وضعت الدولة خطة ممنهجة لتحويل هذه القفزة من فرصة مؤقتة إلى مورد دائم ومستقر؟ إن إدارة هذه التحويلات بشكل رشيد يتطلب تعزيز الثقة المستدامة، وتوسيع قنوات الاستثمار الآمن والمنتج للمصريين بالخارج، وتقديم حوافز اقتصادية وقانونية طويلة الأجل تحوّل العلاقة من تحويلات فردية إلى مشاركة هيكلية في الاقتصاد الوطني.
في المجمل، تكشف هذه الأرقام عن لحظة مهمة من التفاعل الإيجابي بين الدولة ومواطنيها بالخارج، لكنها لحظة بحاجة إلى تثبيت وتطوير حتى لا تظل مجرد استثناء، بل تتحول إلى سياسة اقتصادية ناجحة ومستدامة. فالمصريون بالخارج لم يكونوا يومًا مجرد داعمين من بعيد، بل هم امتداد حي لنبض الوطن في الأسواق العالمية.
