ويبقى مافي الريش ”بقشيش”
م. أشرف الكرم المصريين بالخارج
في الحقيقة أخي القاريء, لا أخفي عليك كم جذبتني تلك الضجة التي ساقتها إلينا منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير يدعو لِلفت الانتباه إلى موضوع هذا الفيلم الغريب, فهو فيلم ليس فيه أي من أبطال الشاشة المعروفين سينمائيًا, وليس فيه آلة إعلامية أو تسويقية تدعو لمشاهدته, بل أظنه لن يتم توزيعه في صالات العرض بالسينما ليُمثِّل مدخولًا إنتاجيا لمن أنتجه وقام عليه.
وعلى الفور قمت بالبحث كعادتي, كي أتعرف على الحقيقة, ليس مما هو مطروحٌ أمامي بين مدونات المنصات الاجتماعية, وليس بناءً على رد فعل بعض نجوم السينما ممن قاطعوا هذا الفيلم أثناء عرضه بمهرجان الجونة والذي أظنه مهرجان "الهوجة" -أيا كانت هذه الهوجة- وليس إلا لكي أصل إلى الحقيقة التي دوما تكون في ثنايا الأحداث أوبين سطورها.
وحين اطلعت على أجزاء من الفيلم, لم أجد فيه أي احترافية فنية مما تروق لي كمشاهد عاصرت أعمالًا عظيمة مثل فيلم "غزل البنات" الذي كان في الرومانسية نموذجًا, ولا مثل فيلم "اللعب مع الكبار" الذي كان في النقد السياسي عظيمًا, أو مثل الكثير مما قدمته صناعة السينما المصرية للسوق المصري والعربي ما أضاف الكثير للكثيرين.
لكنني وجدت الملمح الأقوى في الفيلم, الذي حاز على جائزة النقاد في مهرجان عالمي مثل مهرجان "كان" وأيضا في مهرجان "الجونة" وهذا الملمح هو تقديم مصر والمصريين بأسوأ ما يمكن أن نقدمهم به, فالفيلم في فكرته غير واقعي, ولو اعتبرناه من "الفانتازيا" في فكرة تحول الرجل إلى "دجاجة" فلن نستمتع بما بعده لأن ما بُني على اللامعقول, فليس بعده أي معقول.
إلا أنني وبسرعة, لمحت إسقاطات وصلتني, وقد لا تكون مقصودة من السيناريست أو المنتج أو المؤلف, وهي أن الرجل المصري قد تحول إلى "دجاجة" وهو الذي جعلني أستاء جدًا, حيث أن المصري ليس كذلك أبدًا, ووجدت أن الفيلم يتمحور على تقديم العشوائيات في أبشع صورها تركيزًا وتفصيلًا بشكل يدعو إلى إلقاء اللوم على الإدارة المصرية بشكل عنيف, فعلمت هنا لماذا تلك الجوائز, ولماذا هذا الإنتاج والإعلام, ومن الذي صرف على تكلفته وتقديمه للمهرجانات العالمية.
في الحقيقة, كنت ممن دَعوا إلى ضرورة الوقوف ضد ظاهرة العشوائيات والمناطق الغير آمنة والغير إنسانية في مصر منذ سنين, ولي صفحة بالفيسبوك بعنوان, "يا معماريي مصر أين أنتم من العشوائيات" ولست ممن يبرِّئون الإدارات السابقة في ذلك, لكن أن يتم تقديم هذا الفيلم, بعد تلك الجهود القوية والملموسة والواقعية من الدولة بدخول هذا التحدي "تحدي إنهاء العشوائيات" والتصدي لأي جديد منها بشكل غير مسبوق بل وغير متوَقَع, وبعد أن زرنا تلك المناطق الجديدة من المساكن البديلة التي هي على أعلى مستوى يمكن تقديمه لهؤلاء المهمشين وتقريبا بشكل مجاني, فبعد كل ذلك أشاهد تلك المقاطع من هذا الفيلم المُحرِّض,,!! في الحقيقة أجدني أرفض بكل عقلي وجداني ومهنيتي هذا الفيلم الذي لا يريد إلا أن يقول مصر المصريين في عشوائيات.
وفي العموم وبعيدًا عن نظرية المؤامرة التي لا أنفيها, لا أجد بُدًا من أن تساورني الشكوك حول كل من عمل في هذا الفيلم, وكيف هو بالتأكيد أحد أدوات تشويه الوطن, الذي يعِز عليّ تشويهه بعد كل هذا الجهد المبذول والغير مسبوق في ملفات عديدة وفي ملف العشوائيات بالذات.