×
2 ذو القعدة 1445
9 مايو 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي
مقالات

د.صلاح شفيع يكتب” نملة الواعظ”

المصريين بالخارج

 

كان سالم المهلهل لا يعرف حداً للشبع، يشرب ويظل يشرب، ولا يعرف أنْ يتوقف، ويخرج للصيد فلا يعرف أنْ يتوقَّف، لو الأمر في يده لاصطاد في الرحلة نفسها كلَّ الطرائد، ولم يترك طريدةً لأحد، ولا لنفسه في مرة قادمة، ويحبُّ النساء فيضع قلبه في عينيه، يحبُّ كل من تقع عليه عيناه، مهما كانتْ فلا يشبع.
ولما قُتل أخوه كليب، بكى عليه والناس تنتظر منه أنْ يثأر لأخيه، لكنَّه واصل البكاء وأطال فعادتُه أنَّه لا يشبع، وكما لم يشبع من الخمر، كذلك لم يشبع من الدموع، ويئستْ الناس منه.
لكنَّه يبدأ الثار، وأيضاً لم يعرف أنْ يتوقف، ومضى يقتل كلَّ فرد من قبيلة بكر إلا قاتل أخيه، لأنَّه لا يريد للحرب أنْ تتوقَّف، وبقتل القاتل تتوقَّف الحرب، لذلك عزف في عنفوان شهوته للقتل عن قتل القاتل؛ لتظلَّ الحرب ويظلَّ القتل.
كانت الناس ترى قضيته عادلةً لأنَّه يطلب ثأر أخيه، لكنْ لمَّا قُتِل القاتل جساسٌ، أصبحتْ الناس لا ترى سبباً لاستمرار الحرب، وجرَّه تعطُّشُه وعدم شبعه إلى تحوُّل الناس عن التعاطف معه إلى التعاطف ضده، ولم يحفل وواصل الحرب.
ولمَّا وجد اليمامة ابنة أخيه التي كانتْ له بمثابة الملهم له لاستمرار الثأر قد هدأتْ نارُها بعد الانتقام لأبيها، وبدأتْ كالفتيات تميل إلى شابٍ شهمٍ اسمه جبير، كره سالمٌ هذا الشاب، اليمامة عنده ليستْ فتاةً، اليمامة رجل، ويجب أنْ تظلَّ كذلك ليظلَّ الثأرُ الذي لا يكتفي، هكذا هو .. جهنم .. لا يشبع .
ويرسل له الحارث بن عبَّاد أقوى العرب الذي اعتزل الحرب ابنه جبير الشاب نفسه الذي يحبُّ اليمامة، وقال للمهلهل : إنْ لم تشتفِ بما أرقتَ من دماء، فهذا ابني خذه بقتيلكَ، وأوقفْ الحرب.
وقيل للحارث بن عبَّاد: كيف ترسل ابنكَ الوحيد إلى هذا الرجل أتطمعُ ألا يقتله؟ فماذا لو فعل ؟ قال الحارث: إذن يكون نعم الفتى لأنَّه أوقف الحرب التي تفني العرب وأصلح بين حيَّين من العرب وذهب كُفئاً لأكرم قتيل.
لكنْ المهلهل الذي لا يشبع، قرَّر قتل جبير لأنَّه كان يرى فيه خطراً على مشروع ثأره، يحب اليمامة، واليمامة تقبلُ هذا الحبَّ، في التخلُّص منه تصفو اليمامة للثأر كسابق عهدها، لكنه لمَّا قتله استنكرأنْ يكون كُفئاً لأخيه كليب، قتله وهو يقول: بل بشسع نعل كليب، والشسع هو رباط النعل .
وجاءتْ الجثة وارتفع الصراخ، وفهم الأبُ أنَّ ابنه الوحيد قد قُتِل، قال : ادفنوه، نعم الفتى هو، ونعم الميتة هي ! فلمَّا قِيل له : إنِّه لم يمتْ بكليب الكبير، بل بشسع نعله، جُنَّ الحارثُ لأنَّ ابنه قُتِل في مقابل شيء حقيرأو قل لا شيء.
ويقرَّر أنْ يدخل الحرب برغم كبر سنه، وضعف بصره، ولم يحفل المهلهل بانضمامه ؛ فهو في نظره لا يزيد عن مخرِّف أعمى، لكنَّ الحارث برغم ضعف بصره كانَ ما زال بقوته، وقد زاده موت ابنه بتلك الطريقة المهينة قوةً على قوة، وكأن روح ابنه وُلِدتْ فيه، ذاكر المهلهل جيداً وإن كان المهلهل أقوى بصراً فهو ما زال أقوى جسماً، فأما البصر فلن يكون في صف المهلهل أبداً.
ويُفاجئ المهلهل بما لا يتوقعه، لأول مرة تحارب العرب ليلاً، هكذا تساوينا يا مهلهلُ، لا أعرف أين أنتَ، لكني أعرف كيف أصل إليكَ، سأوقع أي فارس بدفعةٍ من رمحي الذي لا يقف الجبل في طريقه، وسأجثم عليه، وقتها لا يكون أمامه إلا الموت أو يدلني على المهلهل .
كان الفارس المقبِل هو المهلهل ذاته، ويدفعه الحارث بقوته التي لم يضعفها الزمنُ،وهو لا يعرف أنَّه مطلوبه، ويقع المهلهل، وينكسر ظهره تلك أول مرة يقع من على صهوة جواده، ويقول له الحارثُ :
- دلني على المهلهل أو أقتلكَ .. دلني ولكَ الأمان !
- اقسمْ أنْ تطلق سراحي إنْ دللتكَ !
- أقسمُ لكَ !
- أنا المهلهل !
ولا يستطيع الحارثُ أنْ يحنث بوعده، لكنه يقول له:
ـ إذن دلَّني على نظيركَ في جيشكَ امرئ القيس بن إبان ..!
ويدلُّه عليه .. وبذلك يُكسَر ظهر المهلهل، ويفقد صديقه في وقت واحد، وينهزم الجيش بعد كسر البطلين .
ينهزم المهلهلُ وتنتهي الحرب، ويرفض المهلهلُ البقاء، ويرحل فتصحبه ابنته حتى لا تتركه وحيداً، فيقابله مجموعة من الأجلاف ويصرُّ أبوهم أنْ يأخذ ابنته زوجةً لابن من أبنائه، ويرمي له مجموعة من الجلود ويمضي بالابنة، ذات الابنة التي طلبها أحد الملوك فرفض أبوها .
ها هو أبوها الذي لم يشبع عزةً مكسور الظهر يرضخ لحقير يسلب ابنته منه بمهر حقير، مجموعة من الجلود، وأيقنَ المهلهلُ أنَّ المغالاة تنتهي به إلى ضد كل ما يريد، وأنَّ الإمعان في العزَّة لم تنته به إلا إلى الذل، وهكذا كل مغالاة تنتهي إلى عكس هدفها .
لا تغالِ، ولا تحب بمبالغة، ولا تكره أيضاً بمبالغة، يقول الإمام علي بن أبي طالب : أحببْ حبيبكَ هوناً ما عسى أن يكون بغيضُكَ يوماً ما، وأبغض بغيضكَ هوناً ما عسى أنْ يكون حبيبك يوماً ما !
من حكاية أيسوب : أنَّ أرملة مات زوجها فوضعتْ جثمانه في تابوت، وعاشتْ بجواره حزينةً، ترفض بشدة أنْ تنساه، وكان بجوار بيتها، مكان لصلب اللصوص وكان هناك جندي يحرس الموقع، فعطش عطشاً شديداً فطلب جرعةَ ماء من المنزل المجاور الذي توجد فيه الأرملة، ورأى الجندي امرأةً رقيقةً رائعةَ الجمال، فوقع في غرامها وبدأ يختلق الأعذار لرؤيتها كل يوم، وشيئاً فشيئاً بدأتْ المرأة تلين حتى وقعتْ في حبه، وأصبح الحارسُ كلَّما تقدَّم الليلُ يترك مكان حراسته ليقضي ليلته مع معشوقته ويرجع قبل بزوغ النهار إلى مكان حراسته .
وعندما غادر منزلها ورجع إلى مقر حراسته لم يجد الجثَّة، وارتد إلى بيت معشوقته مذعوراً مما ينتظره من عقاب، لكنْ جوابها كان حاضراً:
ـ ليس ثمة ما يدعوكَ إلى الخوف والرعب، خذْ جثة زوجي، وعلِّقها على الصليب مكان الجثة المسروقة !
دخل رجلٌ إلى بيته فوجد زوجته تبكي .. فسألها عن السبب :
ـ إنها العصافير التي فوق شجرة بيتنا تنظر إليَّ حينما أكون بدون حجاب، وهذا قد يكون معصيةً لله، فقبَّلها زوجُها بين عينيها على عفتها وخوفها من الله وأحضر فأساً وقطع الشجرة .
بعد أسبوع عاد من العمل مبكراً عن موعده، فوجد امرأته التي تحتشم من أعين العصافير نائمةً بأحضان عشيقها !
ترك لها المدينة كلَّها، ومضى إلى مدينة بعيدة، فوجد الناس يجتمعون قرب قصر الملك، فلمَّا سألهم عن السبب، قالوا :
ـ خزينة الملك قد سرقت . وهناك مكافأة لمن يدلُّهم على اللص .
في هذه الأثناء مرَّ رجلٌ يسير على أطراف أصابعه، فسأل من هذا؟ قالوا : هو الواعظ .
ـ فلماذا ويمشي على أطراف أصابعه ؟؟
ـ لشدة ورعه، يخافً أنْ يدعس نملة فيعصى الله!
صرخ الرخل :
ـ تالله لقد عرفتُ سارق الملك، أرسلوني إلى الملك !
وقال للملك :
ـ إن الواعظَ هو من سرق خزينتك، واقطع رأسي يا مولاي إن لم يكنْ كلامي صحيحاً !
وبعد التحقيق اعترف الواعظ أنَّه السارق مع دهشته لانكشاف أمره برغم شدة حرصه، فسألوا الرجل كيف عرفتَ أن الواعظ هو اللص ؟ قال :
ـ تعلَّمتُ أنَّ المبالغة في الفضيلة قد تكون تغطية لجرم كبير .
إنَّ المغالاة في الشيء تجاوز، ولن تلبث وأنتَ تمعن في تلك المغالاة أنْ تجد نفسكَ على الضفة الأخرى، ولا عجبَ لأنَّكَ قد ابتعدتَ عن الضفة الأولى من زمن . وإن أنسَ لا أنسى ما حييتُ تلك اللقطة في مسلسل الزير سالم وابنته تُساق أمامه لتتزوج مما لا تريد ولا يريد، وقتها قلت لنفسي ليته توقف عند حد، ليتم لم يغالِ في انتقامه وعزته حتى لا يصل إلى تلك النقطة التي لا أتحمَّلها أنا نيابة عنه، فما بالك به ؟؟.
وإذا وجدتَ مظلوماً ينتصر فافرحْ لانتصاره، فإذا وجدتَه يمعن في الانتقام من الظالم فاعلم أنَّه الآن يتوحَّد بالظلم، ويخطِّط لنفسه مكان رقدته، هي نفس الرقدة التي اختارها لعدوه، ليتنا نعرف الجوع فيما نكره، ونعرف الشبع فيما نحبُّ.
أنتَ في غنى عن النصر الذي يجعلكَ لستَ أنتَ، وما حاجة أحد المتحاربين لإفلاس الآخر إنْ كان الطريق إلى ذلك أنْ يفلس هو أيضاً؟ لو نظرتَ لنتيجة المعركة التي تنتصر فيها ربما يكون النصر ألا تدخلها، إذا كان ثمن النصر أنْ تفقد كلَّ قوتكَ، فماذا يجني المنتصر من قتل غريمه، إذا كان سيتمدد بجواره بلا حراك، لا يمكنه أنْ يحتفل بالنصر، بل وسيكون لقمةً سائغةً للقادمين ليأخذوه أسيراً عاجزاً .
سمعتَ الصديق كريم الشاذلي يحكي كيف تصارع كلاي وفريزر في مباراة ملاكمة وُصِفتْ بأنَّها مباراة القرن،كلاهما كان جديراً بالفوز، وكلاهما فعل كلَّ ما وسعه، نعم يذكر التاريخ أنَّ أحدهما فاز، لكنه أيضاً يذكر أنَّّ الاثنين خسرا، فقد أصبح كل منهما بعد المعركة شخصا آخر، اُستهلِكَ كإنسان، تغيَّرتْ حياةُ كلِّ منهما، فحتى الرابح كان يسير إلى نهايته . ولمَّا وقع بعد سنوات قليلة كان السقوط مذلاً، ولعلَّه وهو يضع الفوطة على وجهه يتذكَّر أنه أمسك بها قبل الآن، أو رأى صورته يمسك بها لما أمسك بها قرينه يوم انتصر الانتصار الذي استهلكه .
إن الذي كسب، وجد أنَّ المكسب لم يحقق له سعادةً لو رجع إلى ما قبل المباراة لكان سعيداً أكثر مما هو عليه .
في حكاية من حكايات أيسوب، تنازع أسدٌ ودبُّ أمام نبع صغير حول من يشرب في البداية، وقبل أن يبدأ العراك نظرا حولهما فوجدا مجموعة من النسور متراصةً، نظر كل منهما إلى الآخر وتصافحا قائلينِ:
- من الأفضل لنا أن نكون صديقينِ من أن تأكلنا النسور والغربان!
إنَّ أيسوب يعلِّمنا من خلال الحكاية السابقة أنَّ الصواب في أفعالنا يتم إنْ وضعنا العاقبة نصب أعيننا، وهنا تصرَّف الأسدُ والدبُّ بطريقة صحيحة لما أبصرا العاقبة قبل الفعل، ولما رأيا النسور تنتظر معركتهما لأنَّها الوحيدة الفائزة ؛ لأنَّها ستأكل بقايا الاثنين.
وفي حكايات أيسوب أيضاً : أنَّ أسداً ودباً تشاجرا على ظبي صغير وقع جريحاً ، كل منهما يريد الظبي لنفسه وكان كلاهما شديداً، فتعاركا حتى سقطا فاقدي الوعي مشرفين على الموت، ومرَّ الثعلب عليهما فوجدهما عاجزينِ عن الحركة ـ والظبي الصغير بجوارهما، التقطه الثعلب وأسرع بالفرار، أمام عين الجريحين الكبيرين.
قال الأسدُ للدبِّ : يا له من مصير محزن لنا، أنْ نعاني كل هذا العذاب لمصلحة الثعلب . كم من بشر وقعوا في ذلك المصير المحزن..
إنَّ التاريخ يحكي كثيراً عن ثعالب كثيرة سيطرتْ على الظبي، أثناء انشغال الدبِّ والأسد ببعضهما البعض، لقد خاض الأمويون حرباً شديدةً مع العلويين، استمرتْ الحرب قرابة تسعين سنة أنهك فيها كل فريق منهما الآخر، وسقط الفريقان معاً ليخرج آخر غيرهما يلتقط الحكم ويمضي به من أمام الجريحين الكبيرين.
ويحكي التاريخ أيضاً أنَّ الصراع الدموي بين الزوجين الملكين، شجرة الدر وأيبك خلفهما قتيلين في اليوم نفسه، وفاز بالعرش غيرهما .
وفي الحرب العالمية الثانية انتصرتْ انجلترا، لكنَّها بعد النصر اكتشفتْ أنَّ المعركة نالتْ منها كثيراً، وأنَّها بعد النصر صارتْ أسوأ من حالتها قبل المعركة . إنَّ المعركة التي تأكلكَ لا حاجة لكَ بالنصر فيها، فلعلكَ معي أنَّ الدولتين المتحاربتين (المنتصر منهما والمنهزم ) لو علمتا أنَّ معركتهما الطاحنة ستنتهي بإنهاك قواهما معاً، وستخلفهما جريحين ؛ ويصير العالم إلى سادة جدد غيرهما كالاتحاد السوفيتي وأمريكا أتراهما كانا سيغاليان في تحطيم كل منهما الآخر، بل أتراهما كانا سيدخلان الحرب أساساً، أم يتعلَّمان الدرس الذي تعلَّمه الدبُّ والثعلب في كتاب أيسوب !
إنَّ المعركة التي تفقدكَ نفسكَ لستَ بحاجة إلى الانتصار فيها، لأنَّ العالم كلَّه لا يعوِّض الخاسر عن نفسه.
إياكَ والشبع، قل لنفسكَ مالي والشبع ؟ وهل ينتهي الشبع بكَ إلا إلى ألا تشبع ؟ وينتهي بك عدمُ الشبع إلى الذلة التي وصل إليها المهلهل . إنكَ لا يمكنكَ أنْ توظِّف الجوع، إنكَ إنْ تكنْ ممن لا يشبعون، فهذا يعني أنَّ نفسكَ سيدكَ، وأنتَ يجب أنْ تكون سيدها، النفس دوماً لا تشبع، فهي من قماشة جهنم، ولو تركتها تقودكَ لأدتْ بكَ إلى جهنم ولذلك قالوا : أعصَ النساء وهواكَ، وخالفْ نفسكَ تسر.

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الخميس 01:10 مـ
2 ذو القعدة 1445 هـ 09 مايو 2024 م
مصر
الفجر 03:28
الشروق 05:05
الظهر 11:51
العصر 15:28
المغرب 18:37
العشاء 20:04