النشال صديقي .....!! بقلم دكتور / محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
شاءت الأقدار أن يدخل حياتي نشال
نشال حقيقي , من دم ولحم ....مش فالصو
عريق في النشل
صنايعي أيده تتلف بحرير
كفاءة , دكتوراه في النشل
يسرق الكحل من العين
عبقري في النشل
استاذ كرسي ورئيس قسم
حاصل على الايزو في النشل
مسجل خفيف في موسوعة النشالين
المهم طبعاً أنتم في إنتظار الحكاية والرواية
من البداية إلى النهاية
في يوم من الأيام
قررت بلدية باريس الحد من التلوث , وناشدت الشعب التخلي عن السيارات وحددت يوماً لذلك , حتى تقلل نسبة التلوث
....مبادرة طيبة يحترمها الشعب , وخلت شوارع باريس من السيارات والعادم الذي تخلفه , مثلما هي خالية الأن بأمر المعلم الفتوة " كورونا "
الكل إتجه نحو محطات مترو الأنفاق , وبالمناسبة لست أدري كيف حفرت باريس أحشائها لتتحول إلى أمعاء دقيقة وأخرى غليظة
تنساب فيها قطارات المترو برشاقة وعراقة ؟
مترو الأنفاق في باريس عالم أخر ..... ترى فيه أحدث صيحات الموضة العالمية ....عروض مجانية تتحرك أمامك من دم ولحم
وأناقة وعراقة , فضلاً عن العطور الباريسية التي تداعب أنفك مجاناً .
الكل يجلس في صمت ....اما يقرأ كتاباً أو يسمع موسيقاه الخاصة عبر سماعات الأذن
إنتقلت إليّ عدوى القراءة ...... قرأت أمهات الكتب في التاريخ والأدب والفلسفة والفن حتى الأحاجي في مترو الأنفاق , أفضل أن اترك سيارتي وأستقل المترو للوصول في مواعيدي بالدقيقة والثانية .
في مترو الأنقاق تعرفت على أصدقاء جدد , حينما كنت طالباً .....وأيضاً في حياتي العملية من كل الجنسيات واللغات واللهجات
المترو ....أشبه بالأمم المتحدة....من حولك تحيطك العضويات من كل صنف ولون ...ديمقراطية عجيبة تجمعها أدب وإبتسامة .
المهم بدون إطالة ركبت مترو 6 من ميدان شارل ديجول وسط الشانزليزية متجهاً إلى منطقة ناسيون غرب باريس , كان المترو مزدحماً شديد الإزدحام أثر عطل فني ....شئ طارئ وعادي .
المهم وصلت إلى ناسيون وحمدت الله , وخارج المترو وبدأت أعيد هندامي من الزحمة .....وتحسست حافظة نقودي .....تعيش
أنت....طارت المحفظة فيها فلوسي وبطافتي ورخصة السيارة ورخصة القيادة
وبوليصة التأمين وبطاقة البنك ..... والعديد من البطاقات والآوراق , كارثة .....ذهبت إلى قسم الشرطة وفي الحال أوقفتُ
البطاقة البنكية وحررتُ محضراً بالواقعة للبدء في إستخراج بدل فاقد للآوراق والمستندات والبطاقات المفقودة .
حمدت الله أن هاتفي المحمول مازال يتنفس الصعداء في الجيب الداخلي للسترة التي كنت أرتديها .
خرجت وأنا ألعن يوم التلوث الذي حرمني من سيارتي ومن حافظة نقودي وأوراقي بل كل كياني ....!!
في أوروبا أنت مجموعة من الآوراق لو ضاعت ....ضعت في شربة ماء .
وفجأة رنّ هاتفي المحمول داخل سرداب من سراديب سترتي , رقم شخصي غير معلن , المهم رديت ....سمعت صوتاً قال لي
بأناقة فرنسية : مسيو كامل أسعد الله صباحك ....!!
قلت له : ومن أين تأتي السعادة ...؟
قال لي : لا تحزن على أوراقك ....وبطاقاتك....أعلم إنه شئ مؤلم إستخراج بدل فاقد لتلك الأوراق ......!!
قلت له : من فضلك ...من أنت....وكيف علمت بسرقة حافظتي ....؟
ضحك ضحكة عالية وقال لي :
أنا اللص , وجدتُ بطاقة فيها أسمك ومهنتك ورقم هاتفك , فقررت أن أخفف عليك الصدمة , لقد نشلتُ محفظتك في المترو ....فقط نظفتها من المال ....لأني كنت في حاجة إليه .
إسمع : سوف أقدم لك خدمة ....مجاناً....سوف أعيد لك بطاقاتك وأوراقك ...., أعلم أنك بلغت عن بطاقة البنك وأوقفت إستخدامها
كما أني لست بالغبي الذي يرتكب حماقة بتلك البطاقة التي ترشد على الفور الشرطة عني .....!!
قلت له : إذن كيف تعيد لي أوراقي وبطاقاتي , هل سنتقابل في مقهى أو في مطعم ونحتفل بتلك المناسبة السعيدة ؟
قال لي : لا
ولكن سوف أضعها في صندوق بريد مكتب المفقودات مع بطاقة التعريف الخاصة بك وبها رقم هاتفك المحمول .
وانتهت المحادثة بيننا .
وفي صباح اليوم التالي , تلقيتُ إتصالاً من مكتب المفقودات يُعلن عن وجود أوراق وبطاقات خاصة بي فُقدت مني وتم العثور عليها
بواسطة فاعل خير الذي وضعها في صندوق بريد المفقودات , وعلى الفور اتجهت بجواز سفري الذي ساعدني على إسترداد حافظة نقودي كاملة ماعدا النقود التي طارت حيث لارجعة ...!!
وفي الحافظة وجدت بطاقة ملونة تحمل باقة من الزهورالجميلة طُبعت في أسفلها جملة مهذبة وهي :
(( الرجاء قبول إعتذاري ))
في هذا اليوم تخلصت باريس من التلوث , وتخلّصت حافظتي من نقودي ....!!
الشئ المدهش كل سنة في عيد ميلادي يرسل لي بطاقة تهنئة بيعيد ميلادي بتوقيع
" صديقك النشال "
نشال محترم , غاية في الإحترام , ذوق , مثقف
السؤال المطروح هل النشال في بلادنا يتمتع بهذا الوعي والحس وتلك الثقافة والعراقة والأناقة ...مجرد سؤال يا أولاد الحلال ......!!
دكتور / محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب


















