لماذا لا نأكل لحوم الكلاب ؟!
بقلم : بهجت العبيدي ـ كاتب ومفكر مصري مقيم بالنمسا
إن الجائحة الخطيرة التي تمر بالعالم، بسبب ڤيروس كورونا، دفعت الكثيرين، إلى البحث والتأمل، هذا البحث الذي جعل طبيعة المأكل لدى أشقائنا في دولة الصين أحد أوجهه، وذلك التأمل الذي يدفعنا للنظر في السبب وراء منظومة الطعام التي يتناولها هذا الشعب أو ذاك، أو هذه الأمة أو تلك.
إن الإنسان نتاج البيئة التي يعيش فيها، فيعتنق الديانة التي يعتنقها أبواه، ويحمل الصفات المكتسبة من خلال التربية التي يتلقاها على يد والديه بالإضافة لمؤسسات المجتمع الذي يربى بين أبنائه، ويتحصل على الثقافة التي تغرسها فيه المدرسة وتبثها فيه وسائل الإعلام المختلفة، ويعلي مجموعة القيم التي يعتنقها المجتمع الذي يعيش فيه، ويدافع عن المبادئ التي يتم غرسها من خلال تلك المنظومة متكاملة.
والبيئات الإنسانية عديدة ومتنوعة، وبتعدد تلك البيئات تتعدد مجموعات القيم والمبادئ فضلا عن السلوك عند الإنسان، فنجد مجموعة القيم الغربية تختلف عن مجموعة القيم الأسيوية، متباينة عن تلك القيم العربية، مفارقة لمجموعة القيم في أمريكا اللاتينية، ذلك التباين الذي يعلوه القيم الإنسانية المشتركة.
فالصدق فضيلة عند كل الشعوب، وعند كافة الجماعات الإنسانية، والكذب نقيصة، والشجاعة قيمة عظيمة في كل البيئات، والجبن مستهجن، ولن نجد جماعة إنسانية تعظم الخيانة، وتستقبح الأمانة، فهذه، وغيرها من القيم الإنسانية يشترك فيها بني البشر جميعًا.
أما مجموعة القيم المتفاوتة في الجماعات البشرية؛ فهي تلك التي هي مرتبطة بالعادات والتقاليد؛ فهناك من يتخذ اللون الأبيض رمزًا للفرح، وغيره يرى فيه رمزًا للحزن، وهناك من يأتي بطقوس في بعض المناسبات لا يقبل بها غيره، فمن يقومون بحرق جثمان المتوفى يرون فيه طقسًا مناسبًا لهذه المناسبة الجلل، وهو عادة قديمة تشير الآثار بأن أقدم طقوسها حدثت قرب بحيرة مونجو في أستراليا قبل 20،000 سنة، وحرق الموت هو استخدام درجات الحرارة المرتفعة للحرق والتبخر والأكسدة وذلك لتقليل جثث الحيوانات الميتة، بما في ذلك جثث الإنسان، عن طريق استخدام المركبات الكيميائية القاعدية، مثل الغازات والشظايا المعدنية التي تحتفظ بمظهر، ذلك الفعل الذي هو مرفوض كل الرفض عند الكثير من الجماعات البشرية، التي تستخدم عملية الدفن ويكون تحلل الجثة في القبر مع الزمن هو البديل عن ذلك الحرق التي يستخدم في الهند وفي أماكن أخرى!.
وكثير من عادات الشعوب مرتبطة بالعقائد الدينية؛ والتي هي لا تخضع في الكثير منها إلى العقل، بقدر ما تخضع إلى القناعة القلبية، والإيمان الروحي، وهنا يظهر التباين أوضح ما يكون؛ حيث أنه يكون مرتبطًا بالحلال والحرام! وإن الناس تأتي بالأفعال والطقوس نتيجة لأمر إلهي ـ في قناعة معتنقي هذه الأديان.
فما يأتي به اتباع ديانة ما يراه بعض أتباع ديانة أخرى نوعًا من العبث، يتندرون عليه، معتبرين اتباع تلك الديانة في ضلال مبين، ليس ذلك فحسب؛ بل ربما أتباع نفس الديانة الواحدة؛ ينظر بعضهم لبعض تلك النظرة التي ترى في أفعالهم وتصرفاتهم وطقوسهم نوعا من الخروج على الملة، وشكلا من أشكال الفساد في الإيمان؛ هذا يتضح جليا في نظرة أهل السنة لما يأتي به الشيعة في بكائياتهم على سيدنا الإمام الحسين، كما ينظرون بكبير الاستهجان لأصحاب المذهب الصوفي في تلك الطقوس التي يأتون بها في احتفالاتهم.
إن رفض أتباع ديانة لما يصدر عن اتباع ديانة أخرى لهو أمر طبيعي، حيث أن ذلك الرفض مبني عن قناعات وإيمان لما في تعاليم تلك الديانة، ذلك الرفض أمر بديهي وطبيعي، ويمكن لأي إنسان أن يقبله وأن يتفهمه؛ لكن المشكلة في أن يتحول الرفض المبني عن الاقتناع بما هو في عقيدة الرافض إلى استهجان، ذلك الذي يمكن أن يتحول إلى مشكلة أكبر إذا تطور وأصبح لزامًا على ذلك المستهجن أن يصوِّب ما يراه خطأ، ذلك التغيير الذي ينظر إلى هذا الاختلاف في إطار المنكر: الذي يجب أن يتم تغييره؛ باليد أو باللسان أو بالقلب الذي هو أضعف الإيمان، والذي لا يرضى البعض أن يتصف بهذا الوصف، وتكون النتيجة في محاولة مستميتة لفرض جماعة بشرية ما تراه هو الصواب، بأسلوب يتجاوز الكلمة التي يجب أن تكون حسنى، فتستخدم القوة كما هو الشأن في فعل الجماعات الإرهابية، التي تريد فرض فهمها على الكرة الأرضية وعلى البشر جميعا؛ متجاوزين ذلك التباين؛ ضاربين بعرض الحائط بتنوع الطبيعة البشرية، واختلاف مشارب البشر التي هي من السنن الكونية.
ولو عدنا إلى الجائحة التي يمر بها العالم والتي تشير الأبحاث العلمية إلى أنها نتيجة لتحور ڤيروس كورونا كوڤيد ١٩ الذي لم يكن يصيب الإنسان، وذلك عبر وسيط، هو الخفاش، والذي يتم تناوله في الصين كطعام، مثله في ذلك، مثل العديد من أنواع الحشرات والحيوانات التي هي من ضمن منظومة الطعام في دولة الصين، والتي هي مستهجنة في العديد أو بالأحرى في كل دول العالم، فمنظومة القيم بالصين لا تمنع من تناول هذه الحشرات وتلك الحيوانات، ومن هنا يتناولها الأشقاء في الصين دون شعور لا بذنب، ولا باشمئزاز، ذلك الذي يصاب به الإنسان في أي مكان من العالم، لأن منظومة قيمه تمنعه من اتخاذ الحشرات، وأنواع معينة من الحيوانات، مأكلًا له، فمجموعة القيم المتخذة من الدين الإسلامي، والمسيحي، كذلك لدينا هي ما تمنعنا، مثلًا، من أكل لحوم الكلاب.


















