بين الحرية والمراقبة المجتمعية
م.أشرف الكرم المصريين بالخارجمازالت ولن تزل، هي الأحداث التي تتسبب في التجاذب والتعارك الفكري بين من يخاف على الاخلاقيات العامة ومن يدفع باتجاه الحريات، بين من يرى أن للمجتمع على المجتمع سطوة تهندم مسيرته ومن يريد للمجتمع مزيدًا من الانفتاح.
ولا عجبٌ في وجود هذين التيارين وظهورهما كردة فعل تلقائية مباشرة لأي من الأحداث التي تمس الذوق العام للمجتمع،، سواءًا في أخلاقياته أو فنيّاته أو سيرته في مسيرته.
وما تفتأ تخرج علينا الأخبار بحدثٍ في احتفالية عيد ميلاد "خاص" بين سيداتٍ بأحد نوادي مصر المرموقة، وما حوته تلك الفعالية من رمزياتٍ قد لا يقبلها الذوق العام للمجتمع، إلا وتتكرر على مسمعنا مظاهرات التناضح الفكري بين الفريقين المذكورين، بما لديهم من دلائل تثبت صحة مواقفهما وتجتهد في إثبات خلل الرأي المعاكس عن نفس الحدث.
والذي أراه جليًا، هو غيابٌ أليمٌ للأسس والقواعد العامة في المجتمع، والتي تحدد بوصلة التعامل مع تلك الأحداث بين الفريقين ومن يلونهم هنا وهناك بدرجاتٍ تتفاوت.
إذ لابد لمجتمعنا أن تكون له وزارة ثقافة تطل عليه في أثناء تلك المشاجرات الفكرية كلاميةٍ كانت أو كتابيةٍ أو مرئية، لتبين لنا عبر مفكرين وأدباء وعلماء دين واجتماع وأخلاق، بماهية الصواب فيما يجري على الساحة من أحداث، وعما يقال من حوارات ونقاشات.
حيث لا ننسى إن سطوة المجتمع تصيب أحيانًا وتطيش أحيان، وحين تصيب في الحقوق العامة فهي تضع النصاب في مكانه، وتوقظ من لا يريد إلا ما يرى، لكنها حين تطيش تبطش وتتعدى وقد تقتل وتحرق معنويًا تحت هدير الإندفاع.
وعلى النقيض أيضا فإن دعاة الحرية يصيبون ويخطئون، وحين يصيبون فهم ينتشلون مَن لهم حقٌ خاص حتى لا تُسكَب حقوقهم تحت أرجل العامة ممن يندفعون، ولكنهم حين يخطئون يميلون ميلًا قد تنحرف معه سفينة المجتمع ويضيع المسار.
إن مجتمعنا يحتاج ليدٍ تمتد إليه تثقيفيًا، لتعرف الجميع بأن على المجتمع أن يصوِّب لكن بنقد الفعل لا حرق الفاعل، وباستنكار العمل لا فضح الذي عمِل، وبالتركيز على الحدث ومناقشته وليس المناقشة عمن أحدثه لسحقه ولسعه أو التشفي منه.
نحتاج أيضًا إلى من يقوِّم دعاة الحريات المفتوحة بلا حدود، بأن خصوصية الآخر تقف عند الحقوق العامة للمجتمع، فما أن يقوم الآخر بالفعل في مكانٍ عام، فإن عليه التزام الآداب العامة وعدم خدش الحياء والذوق العام فيه، وأنه قد خرج من خصوصيته إلى العام، بمجرد خروجه بأفعاله إلى هذا المكان العام.